01-09-2025 08:56 AM
بقلم : جهاد المنسي
مع انطلاق مشروع التحديث السياسي، كان مجلس النواب أمام فرصة تاريخية ليضع نفسه في قلب الإصلاح الوطني، ويحول «قبة العبدلي» من فضاء يغلب عليه الصراع الفردي إلى منصة حزبية برامجيّة تعكس تطلعات المواطنين وتخدمهم، وتسير في ركب التحديث السياسي.
عندما طرحت رؤية التحديث السياسي، كان الطموح كبير، عماده برلمان حزبي برامجي، يعكس التعددية الوطنية، ويعيد الثقة المجتمعية لمؤسسة مجلس النواب، ويحول العمل السياسي من فردي متشرذم إلى مؤسسي منظم، بيد أن الواقع الذي نشهده اليوم وشاهدناه خلال الدورة البرلمانية الاولى اظهر خلاف ذلك تمامًا، فالبرلمان والأحزاب الفتية الذي دلفت بوابته من خلال المقاعد التي خصصت لها فشلا معا- حتى الآن- في تحويل الرؤية لرافعة للتحديث، والنتيجة أن الشارع بدأ يسأل ويتململ ويرسل علامات حول دور الأحزاب تحت القبة.
حتى لا ننكر حق بعض من اجتهد وثابر من النواب فانه وجب القول إن بعضهم نجحوا في إظهار حضور فردي، وقدموا مساهمات مؤثرة في لجان البرلمان أو في النقاشات العامة، او من خلال المذكرات، لكن هذه النجاحات بقيت محدودة، فردية، وغير قادرة على خلق أثر مؤسسي، قابل ذلك فشل كان أوضح، وهذا تجلى من خلال غياب الانضباط الكتلوي، وسيطرة الحسابات الشخصية، وتراجع فكرة العمل البرامجي المشترك، والنتيجة رؤية مجلسًا نيابيا مشغولًا بصراعات داخلية تتجلى حاليا في المنافسة على موقع الرئيس، أكثر مما هو مشغول بصناعة التشريع والرقابة التي تحقق الإصلاح.
المسؤولية فيما أشرنا إليه لا يتحملها النواب وحدهم، وإنما يتحمل جزءا كبيرا الأحزاب التي كان يُفترض أن تكون حاضنة لرؤية التحديث، وقاطرة له، إذ إن تلك الأحزاب لم تقدم الأداء المنتظر، فالأحزاب الوليدة التي خرجت من رحم التعديلات الجديدة لم تستطع حتى الآن أن تثبت حضورًا وازنًا تحت القبة، بل كشفت هشاشة بنيوية، وعجزا عن فرض انضباط بين أعضائها، فبدت أقرب لعناوين دعائية وليست مؤسسات سياسية متماسكة، فغاب عنها العمل البرامجي العميق، ما جعلها في نظر الرأي العام عبئًا لا رافعة للتحديث.
على الضفة الأخرى، ظهرت أحزاب كلاسيكية كأنها أكثر بقاءً، رغم ما تعانيه من ترهل في بنيتها وضعف في قدرتها على تجديد خطابها السياسي، ومع ذلك، فإن بقاءها وتأثيرها النسبي مقارنةً بالأحزاب الجديدة عكس مأزق التجربة وهو أن التحديث لم يفرز حتى الآن أحزابًا قوية قادرة على قيادة التغيير، بل أعاد إنتاج التوازنات القديمة بأشكال مختلفة.
خلاصة القول إن البرلمان والأحزاب فشلا معا في إعادة الثقة للشارع، فالمواطن يرى مشهدًا مرتبكًا فيه تعدد مرشحين للمواقع القيادية، وأحزاب عاجزة عن فرض الانضباط، وخطاب سياسي ضعيف، ولذا فان الدورة العادية المقبلة تعتبر الأمل الوحيد لإعادة ترتيب الصفوف وتقديم خطاب سياسي مختلف، والتعامل باعتبار أن الدورة الماضية كانت دورة اختبار وتدريب، وهذا يعني استعداد النواب وأحزاب المجلس لتقديم رؤية لتطوير قوانين الأحزاب والانتخابات، وتفعيل نقاشات داخلية حول التحديث، فتلك الخطوات إن تمت من شأنها بداية المشوار لإعادة الاعتبار للمؤسسة التشريعية.
اليوم، السؤال الذي يحضر هل يمكن إنقاذ التجربة؟ الجواب نعم وهذا يتطلب ترسيخ الثقافة الحزبية داخل المجلس وخارجه، وتطوير الأحزاب الناشئة لتتحول لمؤسسات حقيقية، بدل الاكتفاء بالشعارات، وتعديل النظام الداخلي للمجلس بما يضمن مساحات أوسع للأحزاب، وإرادة صلبة من النواب والأحزاب معًا، وإدراكًا بأن بناء برلمان حزبي مؤسسي ليس خيارًا تجميليًا، بل ضرورة، وإلا فإن البرلمان سيظل مجرد ساحة لتكرار الأزمات نفسها، ويستمر فقدان الثقة الشعبية بالمؤسسة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-09-2025 08:56 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |