حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,5 يونيو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7955

م. أحمد يوسف الشديفات يكتب: جيل ما بعد المئوية: شباب الأردن على مفترق التحول والتمكين

م. أحمد يوسف الشديفات يكتب: جيل ما بعد المئوية: شباب الأردن على مفترق التحول والتمكين

م. أحمد يوسف الشديفات يكتب: جيل ما بعد المئوية: شباب الأردن على مفترق التحول والتمكين

03-06-2025 01:02 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : م. احمد يوسف الشديفات
في شوارع عمّان التي لا تهدأ، وبين تلال الكرك وسهول إربد وقرى البادية، هناك نبضٌ لا يُرى في نشرات الأخبار، لكنه حاضر في المقاهي، الجامعات، وعلى أرصفة الانتظار. نبض شبابٍ لا ينتظر فرصةً تسقط عليه من فوق، بل يبحث عنها، يحاول أن يصنعها بيده حتى إن كانت الريح معاكسة.

في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ الأردن، لحظة ما بعد المئوية، يبدو جيل الشباب وكأنه يقف على مفترق جديد. لا لأن الطريق واضح، بل لأن الرؤية بدأت تتشكل. هذا الجيل، الذي نشأ في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية، لا يريد مجرد وعود، بل يريد من يشاركه الحلم ويمنحه الأدوات.

لكن لنتحدث بصراحة. المشكلة لم تكن يومًا في شباب الأردن. لم تكن في قدرتهم ولا في وعيهم، بل في اتساع الهوة بين ما يتعلمونه وما يُطلب منهم في سوق العمل. شاب أنهى دراسته في الهندسة، لكنه اليوم يعمل في توصيل الطلبات. وآخر درس الإعلام، لكنه لا يجد منبرًا يسمع صوته. ليست المشكلة فيهم، بل في معادلة تعليم لا تُراجع، واقتصاد لا يُعطي فرصًا بعدالة.

ومع ذلك، من الظلم أن نغفل عن لحظات الضوء في هذا المشهد. ومن الظلم أيضًا أن نتجاهل الدور الحقيقي للقيادة الهاشمية، التي كانت وما زالت تراهن على الشباب. من الملك عبدالله الثاني الذي لم يغب الشباب عن خطاباته، إلى سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني الذي يمشي معهم لا أمامهم. في الجامعات، في المؤتمرات، في المبادرات. لم يكن الحضور رمزيًا، بل صادقًا وواعياً، يقول لهم: “أنتم المستقبل، وأنا معكم”.

الجميل في المشهد الأردني اليوم ليس ما تحقق، بل ما يمكن أن يتحقق. هناك شباب يؤسسون شركات تقنية من غرفهم الصغيرة. هناك من يصنع محتوى يعرف الأردن للعالم. وهناك من يزرع، يعلّم، ويعالج. ما ينقص هؤلاء ليس الشغف، بل التمكين الحقيقي: بيئة حاضنة، تعليم عملي، وقوانين تفتح لهم الطريق لا تُغلقه.

ومع كل هذه المبادرات الرقمية، ومع الحديث المتسارع عن الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، علينا أن ننتبه لمسألة لا يتحدث عنها أحد: “عدالة الوصول”. ليس كل شاب لديه جهاز حاسوب، أو إنترنت ثابت، أو حتى معلم يشرح له ما هو ChatGPT أو الـCloud. فكيف سنبني وطنًا رقميًا إن كنا لم نؤمن بعد بأن العدالة تبدأ من أصغر تفصيلة؟

في الجنوب كما في الشمال، وفي المخيمات كما في المدن، هناك شباب لا يريدون أكثر من فرصة حقيقية. لا يريدون أن يعيشوا في العاصمة ليشعروا بأنهم مواطنون. ولا يريدون واسطة ليدخلوا وظيفة. يريدون فقط دولة تُنصت، مجتمع يُنصف، ومستقبل يُبنى معهم لا فوقهم.

ربما ما نحتاجه اليوم ليس فقط مشروعًا وطنيًا، بل نقلة في التفكير. دعونا نطلق رؤية جديدة، نسميها مثلاً: “جيل الأردن الرقمي”. رؤية تتجاوز الشعارات، وتذهب نحو تدريب عشرات الآلاف من الشباب على مهارات العصر، من الذكاء الاصطناعي إلى الأمن السيبراني، من ريادة الأعمال إلى الزراعة الذكية. والأهم؟ أن تكون هذه الرؤية شاملة، تبدأ من الطفيلة كما تبدأ من عمان، وتصل إلى الأغوار كما تصل إلى جرش.

لا أحد ينكر أن الطريق طويل. لكن في هذا الوطن، تعوّدنا أن نحلم رغم ضيق الإمكانات. وتعودنا أن ننجز رغم قسوة الظروف. واليوم، إذا كان ثمة فرصة لتغيير عميق، فهي تبدأ من هذا الجيل، من قلبه وعقله، من جرأته على الحلم، وإصراره على البقاء.

هؤلاء هم شباب ما بعد المئوية. لا يطلبون المستحيل، بل يطلبون أن نراهم كما هم: طاقات حقيقية، لا هامشية. فرص ضائعة تنتظر من يلتقطها. مستقبل يتشكل في صمت، وينتظر دولة تُؤمن، فتدعم، ثم تُرافقهم في الطريق.











طباعة
  • المشاهدات: 7955
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
03-06-2025 01:02 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم