حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,29 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 5062

عصيان مشروع!

عصيان مشروع!

عصيان مشروع!

01-12-2022 07:41 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : مصطفى صوالحه
في الوقت الذي يُنظر فيه للعصيان على أنه رفض الانصياع للقوانين واللوائح والسلطات، أو شكل من أشكال المقاومة دون اللجوء للعنف، أو عمل علني غير عنيف يتم تحديده من وجهة نظر الضمير، نجد أن هناك نوعًا آخر من العصيان.

هذا النوع من العصيان المشروع له صوره الكثيرة، ومنها ما يرتبط بعدم امتثال الشخص لرغباته الداخلية الداعية للإبقاء على رباطة الجأش رغم احتدام المشاعر ووصولها إلى الاحتقان الذي لا يمكن معه العودة إلى الوراء، خاصةً في ظل وجود بيئة مرهقة تجعل فكرة التقدم نحو فرصة مستحقة مجرد لهوٍ طويل الأمد.

مثال ذلك أحقية محارب عشريني في الوصول إلى شريكته التي اختارها حتى يكمل معها مسيرة حياته الشاقة، ضمن علاقة سامية وأخلاقية تمتلك دستورها الخاص المنسوج من وحي الود والألفة، بعيدًا عن سيناريوهات المراهقة، ليكون الصدام الأول مع جدارٍ خرسانته مصنوعة من: "إحنا بنعرف مصلحتك" أو "إحنا أدرى"، ويسمى ذلك بـ"نصائح ملزمة التطبيق" أما الصدام الآخر فمربتط بإسقاط الحجج التي ولّى عليها الزمان، في سبيل الإقناع بالعدول عمّا تم اختياره وأنه سيتم الاعتياد على الرضوخ بمرور الأيام، ويسمى ذلك بـ"ترويض الأفئدة".

"ديباجة النصيب" الهشة المحشوة بالمخاطبة الأبوية العاطفية وتراجيديا الخبرة بالاعتماد على العمر، لا يجب أن تستخدم بهذه الطريقة، ربما من الأجدر التخلي عن سيمفونية السطوة والتهكم على المشاعر لمجرد أنهم لم يجربوا شعور فطري مماثل، وإنما أُلزموا بتغليب التقليدية والانسياق ورائها عوضًا عن الاحتكام للقلب، حتى باتوا يعتقدون أن ما يفعلونه هو الصواب، ويا له من صواب!.

معادلة ترويض الأفئدة لا تستحق عنائها، خاصةً عند التفكير في الشخص الذي سيكون مسؤولًا عن النتائج اللاحقة لكل ما يحدث، فعندما اختار الله أن يجمع بين اثنين، سخّر لهما الظروف والمواقف حتى يمتزجا ببعضهما البعض، بعدها يكون التحرك الرسمي باللجوء للشرع، لكن يبدو أن هناك مواصفات خاصة توضع بعيدًا عن مسألة الجدية، وكأنه يتم تسيير باخرة في بحرٍ من المزاجية.

تحطيم أفئدة الأبناء، والتغنّي بالقدر الذي يتم الترويج له على أنه من الله، ومن ثم الاستمتاع بالأمسيات والرقص على أعتاب العائلة المتماسكة، محاولات متكررة لتشويه صورة ما اختبئ في الدواخل العفيفة للنفس الإنسانية، لنجد أن هناك انسياقًا وراء الحجج التي كان من الأولى أن يتم التخلص منها، ففي عالمٍ اليوم، فكرة العثور على شخص أخلاقي يتخذ من كتاب الله وسنة رسوله منهاجًا يزخر بالتجارب الحياتية السليمة، ويسعى جاهدًا حتى يبقى مستقيمًا تشهد عليه في ذلك صلاة ما بعد منتصف الليل، لا يجب التفريط به، بل يجب التضحية من أجله، لكنهم اكتفوا بتدمير الأفئدة لا مجرد ترويضها، وتمسكوا بأقاويل: "كلشي بينتسى"، و"القصص الأولى مش معيار"، و"هيك الحياة"، و"بكرة بتتعود"، وأخيرًا "إنت متحمس بس".

هذا يشبه تمامًا ذلك الجندي الذي يقف متجمدًا دون حركة لدوسه على لغم أرضي، فلا النظرات الأخيرة تسعفه، ولا البقاء ساكنًا سينقذه.

كل ما سبق في كفّة، وأن يطلبوا منك العودة إلى سابق عهدك في كفّةٍ أخرى، فهم يتشبثون بقاعدة ليس عادلة على الإطلاق، فدائمًا ما يتحدثون عن قدرة الله على إخراج العبد من الظلمات إلى النور، والله بالنسبة لهم هنا هو الهادي، لكن أن ينقل الله عبدًا من موضع إلى موضع، وأن يغير من أحواله، فهنا الله ليس برزّاق... إن ذلك استهتار بالقلوب، وتلاعب بالدين، وخداع صريح، وكما أبعدوا بين قلبين اجتمعا على خيطٍ من خيوط الله، فإن الله يعلم كيف يجعل الأفعال تدور على أصحابها.

إن العصيان المشروع قد يمتد بسبب كل ما ذكر سابقًا إلى رفض الاقتراب من الملوثين، مِمَّن لا يلتفتون للخصال الحميدة، وإنما تتمثل مهمتهم بدس أفكارهم التي سيكون من المخجل للغاية الحديث عنها في وقتٍ يحكمون فيه على الأشخاص من خلال عاطفة لزجة، كأن يكترثوا لصمتك على سبيل المثال، ليبدأوا بالبحث عن الأسباب التي تدفع أحدهم لعدم مشاركة خصوصايته معهم، نعم، إنهم من يرتدون أقنعة "حسن النية" لإخفاء تلك الوجوه بملامحها المزعجة والمنفرة، وما أكثرهم، على بعد خطوات، وربما أقل.

والآن... أنختار الطمأنينة التي ألهمنا إياها الله أم الفزع الذي أفشوه هم؟... إنه العصيان المشروع.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 5062
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم