13-09-2025 11:02 AM
بقلم : أ. د. مأمون نديم عكروش
لا يزال موضوع تحسين الإقتصاد الأردني يٌشكّل الهاجس الأقوى على الأجندة الوطنية الرسمية والشعبية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني من أجل الوصول الى "وصفة إقتصادية" قادرة على الخروج بإقتصادنا الوطني من عنق الزجاجة الى مرحلة التعافي وصولًا لمرحلة الإزدهار وتحسين مستوى حياة المواطن الأردني وتحقيق الرؤى الملكية السامية وفقًا لمنظومة الإصلاح الإقتصادي المٌعدة. أعلم تمامًا ان هناك الكثير الذي تم كتابته حول الموضوح وتم تقديم عدة مقترحات وحلول للمطبخ الإقتصادي لتحسين الإقنصاد الوطني الأردني ولكننا لم نرى منهجية واضحة المعالم ونتائج واقعية إستطاعت تحقيق الحد الأدنى من الإجماع والبدء بعملية التنفيذ وفقًا لخطة إقتصادية واضحة المعالم.
من وجهة نظري الشخصية، إن تحسين الإقتصاد الأردني يعتمد على ثلاثة محاور رئيسية: اولًا، الاقتصاد السياسي (Political Economy)، ثانيًا، تشخيص وتطوير القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني (National Economic Competitiveness)، وأخيرًا، نظام التعليم الوطني (National Education System). فبالنسبة لمحور الإقتصاد السياسي، فهذا المحور يقوده جلالة الملك المعظم وفريق عمل يعمل على مدار الساعة من أجل التعامل بفاعلية وكفاءة والتكّيف (Adaptation) مع العديد من الملفات والمعطيات الإقليمية والدولية المعقدة والمتغيرة على مدار الساعة وتتجاذبها قوى إقليمية ودولية عظمى تسعى لتحقيق مصالحها بغض النظر عن مصالح الآخرين. لن أخوض في هذا المحور نظرًا لثقتي المطلقة بأن أفضل من يتعامل معه هو جلالة الملك المعظم وفريق عمل في الديوان الملكي العامر وجزء من الفريق الإقتصادي الحكومي مدعّمًا من خلال قواتنا المسلحة الباسلة ونشامى أجهزتنا الأمنية الذين يعملون ليل نهار من أجل توفير بيئة إقتصادية آمنه وعنوانها الأبرز ان الأردن هو بلد الأمن والأمان على الرغم من كافة عواصف المنطقة المستمرة.
أما بالنسبة لمحور تنافسية الإقتصاد الوطني، هذا الأمر يعتمد بالدرجة الإولى على وجود عملية تحليل علمية وواقعية وشاملة ودقيقة لقدرات إقتصادنا على مستويين، الاول، على المستوى الوطني (National Competitiveness) بهدف تحديد القدرات المميزة لاقتصادنا الوطني التي تمكنه من تحقيق ميزة نسبية (Relative Advantage) في الأسواق الإقليمية والدولية بحيث تساهم في نمو الاقتصاد الوطني. وهنا يجب ان نكون إنتقائيين بحذر في عملية التحليل بحيث يتم إختيار إقتصاديات محددة، بغض النظر عن الحجم، وتحديد مجالات تحقيق الميزة النسبيىة لاقتصادنا بالمقارنة مع هذه الإقتصاديات (Comparative Competitive Analysis) حتى يتم تحديد واضح ودقيق لعناصر الميزة النسبية التي يتمتع بها إقتصادنا الوطني. فهذا قد يشمل الموقع الجغرافي (May reduce logistical and transportation costs) او المٌناخ (Climate) لقطاعات الزراعة والسياحة، او توفر المواد الخام بجودة معينة المستخدمة في الصناعات الإستخراجية والصناعات التكميلية او توفر الموارد البشرية الموهوبة والمُدربة والمؤهلة (Talented and Skilled Human Resources) كما هو الحال في قطاعي التعليم وتكنولوجيا المعلومات، هذه أمثله فقط على ما ذهبت اليه. وتجدر الإشارة الى أن هناك منهجيات واضحة ولها معايير دولية معتمدة لاجراء هذا المستوى من التحليل مثل منهجية بورتر – جامعة هارفرد والتي تم تطبيقها بنجاح لقياس مدى تنافسية الاقتصاد الوطني للدول مثل الاقتصاد الياباتي والكوري الجنوبي والبريطاني والسويسري. أعلم، ان هناك مؤشر لتنافسية الإقتصاد الوطني الاردني ولكنني أتحدث هنا عن مقومات الميزة النسبية لاقتصادنا وعلى أسس علمية-واقعية.
اما المستوى الثاني من التحليل، فهو على مستوى الصناعة (Industry Analysis) ولكل قطاع من قطاعات الإقتصاد الوطني وذلك من أجل تحديد الميزة التنافسية (Competitive Advantage) لكل قطاع مقارنةً مع قطاعات إقتصادية أخرى يجب أن يتم إختيارها بعناية من أجل تحديد مصادر تحقيق ميزة تنافسية (Sources of Competitive Advantage) في كل صناعة في إقتصادنا وهذا يقودنا الى إمكانية تحديد الموارد والقدرات النادرة في كل صناعة من أجل تحديد قدراتها التنافسية بإستخدام أنموذج بورتر المعروف (Porter’s Five-Forces Model for Industry Analysis)، هذا مع العلم انه تم تعديل أنموذج القوى الخمس لتصبح ستة قوى من خلال إضافة التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، حسب صناعات معينة وإقتصاديات محددة كون الأنموذج مرن ويستوعب الديناميكيات الإقتصادية وأسواق الأعمال على حدِ سواء. من أهم نتائج هذا التحليل انه يوضح الميزة التنافسية لكل قطاع وتحديد مصادرها والتي تمكّن مؤسسات الأعمال (Businesses) من صياغة وتطوير إستراتيجيات أعمال تنافسية (Competitive Business Strategies) قادرة على المنافسة وتحقيق النتائج المرجوة.
هذه النماذج تأخذ بنظر الاعتبار كافة التطورات التكنولوجية الحديثة ومقومات عصر الرقمنه بحيث يتم تحليلها بشكل دقيق حسب تأثيرها على مستوى الاقتصاد الوطني وكل صناعة وقطاع أعمال فيه من أجل تحديد أثر التكنولوجيا الحديثة والرقمنه على تحديد والقدرة على تحقيق الميزة النسبية والميزة التنافسية من أجل خدمة الاقتصاد الوطني ومن منظور الأمن القومي وعلى المدى البعيد. وتجدر الإشارة الى أن التحليل على مستوى الاقتصاد ككل وقطاعاته المختلفه يجب أن يتم بالشراكة الكاملة مع القطاع الخاص مع مراعاة متطلبات الأمن القومي الأردني (الجانب الرسمي) وخلق وترسبخ شراكات حقيقية مع القطاع الخاص (Public Private Partnerships-PPP) مما يمهد الطريق لعملية تكامل إقتصادي متوازنة تدفع بإقتصادنا نحو الأمام وعلى أسس علمية وعملية للقطاعين. فنحن بأمس الحاجة للخروج من عقلية السرد التاريخي لإقتصادنا الوطني وجلد الذات والتنظير الى مرحلة التشخيص والفعل الفوري من خلال تبني نماذج إقتصادية مدروسة بعناية "وفقًا لبيئتنا وحاضنتنا الإجتماعية" والتوقف عن إسلوب التجربة والخطأ.
أخيرًا، نظام التعليم الوطني، لا يمكن تحسين قدرات الاقتصاد الوطني، وخصوصًا التنافسية منها، بدون نظام تعليم وطني قادر على تحديد وفرز الموارد البشرية الموهوبة والماهرة والمدربة لتكون قادرة على رفد الاقتصاد الوطني بالمهارات والقدرات البشرية والتكنولوجية المتطورة التي يمكن تسخيرها في خدمة التوجهات الاقتصادية الإستراتيجية. في بعض الاقتصاديات التي لا يوجد لديها موارد طبيعية او مواردها ضعيفة، يصبح العنصر البشري هو الفيصل في تحسين الاقتصاد الوطني وتحقيق ميزة تنافسية من خلال موارد بشرية موهوبة (Talented Human Resources) ضمن محتوى واطار اجتماعي مميّز حاضن لها (A Unique Social Context) بحبث يؤدي الى تحقيق ميزة نسبية على مستوى الاقتصاد الوطني وميزة تنافسية على مستوى القطاعات الاقتصادية. وهنا تبرز الحاجة الماسة الى نظام تعليم وطني يركز على "تعلّم" (Learning) الطالب وليس "تعليمه" (Education) من خلال إتباع منهجيات التفكير السليم والقدرة على إستخدام مٌختلف أدوات التحليل والتفكير النقدي الخلاّق وترسيخ منهجيات رؤية الامور من زوايا مختلفه وذلك منذ المراحل الاولى لعملية التعلّم لتكون جزء أصيل من شخصية الطالب وتفكيره وسلوكه ونمط حياته لتشكل له نهج حياة ويتم تعزيزه بشكل مستمر. هذا النظام التعليمي يجب ان يتكامل مع نظام التعليم الجامعي منذ مراحل مبكرة من أجل تحديد المسار التعليمي المدرسي والجامعي للطالب بناءً على قدراتة الفردية وسمات سخصيته وقدراتة الذهنية والتفكير الخلاق بما يتناسب مع شخصيته في مراحل مبكرة وان يكون هناك ملاحظة مباشرة (Observation) لأي تغييرات مهمة في منهجية تفكير وسلوك الطالب لغاية توجيهها قبل نهاية مرحلة التعليم المدرسي. عندها، يمكن لنظام التعليم المدرسي الوطني فرز الطلبة حسب المسارات التي تناسب وقدراتهم وامكاناتهم وانماط شخصياتهم بحيث يكون هناك المهندس والطبيب والفني والتطبيقي والممارس...الخ. إن هذا النظام التعليمي يجب ان ينسجم مع نظام التعليم الجامعي وكافة مؤسساتة التعليمية والتشريعية والتنظيمية بحبث يتم تقديم عنصر بشري مؤهل وفقًا لاحتياجات الاقتصاد الوطني ومعايير المنافسة المطلوبة. إستنادًا الى ما سبق، فإن النظام التعليمي الوطني يجب ان ينسجم مع المجتمع وثقافته ويعمل على تطويره من جهه ويجب ان يصمم النظام بناءً على الاحتياجات الحقيقة للاقتصاد الوطني من المهارات والقدرات المطلوبة حتى يستطيع الاقتصاد المنافسة بقوة من جهة أخرى.
إن هذه المحاور الثلاثة يجب ان تتكامل من خلال وجود نظرة إستراتيجية عميقة تأخذ بنظر الاعتبار مصالح الأردن الوطنية ومصالح كافة الجهات ذات العلاقة في إقتصادنا الوطني حتى يتحقق الحدّ الادنى من الاجماع على هذه المحاور الاستراتيجية المهمة من أجل تطبيقها وفقًا لجدول زمني محدد وواضح المعالم مع وجود آليات دقيقة لقياس مدى التقدم واتخاذ الاجراءات التصحيحية اللازمة اذا لزم الامر. فالحديث هنا عن أبعاد إستراتيجية متوسطة وطويلة المدى قد تمتد لمدة خمسة عشر عامًا. ومن يقول بأن هذا المدة طويلة فليطلع على بعض التجارب العالمية مثل التجربة الصينية والستغافورية والفنلندية والكورية الجنوبية حتى يتسنى لنا التعلّم منها.
أدام الله عزّك يا وطني.
*هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب الشخصية.
أ. د. مأمون نديم عكروش
رئيس الجامعة الأميركية في مادبا*
السبت: 13/9/2025
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-09-2025 11:02 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |