04-08-2025 08:57 AM
بقلم : جهاد المنسي
ليس صدفة أن يأتي تقرير النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مثقلا بكل هذا الكم من الانتهاكات والتجاوزات بحق النساء العاملات في قطاع السكرتاريا؛ بل إن التقرير(الصادم) رفع الصوت وطرق خزان الصمت، ورفع الصوت عاليا بعد ان كان هذا الحديث يتم بصمت الى ان جاءت النقابة لتعلن عن خلل بنيوي في بيئة العمل، يتجاوز غياب العقود والأجور المتدنية، إلى حد غياب العدالة نفسها.
إذا أردنا قراءة ما ورد في التقرير فإنه لا يُقرأ كتفصيل نقابي، بل كمؤشر سياسي واجتماعي على العجز في فرض القانون، وحماية الفئات الأكثر هشاشة، فأي قيمة لقانون العمل إذا كان لا يُطبق؟ وأي جدوى من شعارات تمكين المرأة إذا كانت المرأة العاملة تُترك في مواجهة استغلال متعدد الأشكال؟ وفق ما ورد في التقرير.
ولأننا نتحدث عن مهنة مؤنثة وهي مهنة السكرتاريا فإنه يجب الاعتراف ان تلك المهنة تعاني من تمييز صريح، وغالبًا ما يُنظر إلى من تمارسها من زاوية شكلية، لا مهنية؛ فهل تُعامل السكرتيره بكرامة واستحقاق؟ أم باعتبارها عنصر تزيين إداريا؟ الجواب، كما أظهره التقرير، مؤلم، ابتداء من حديث عن أجور تقل عن الحد الأدنى، وغياب الضمان، والتحرش، والعقود الصورية، فكل ذاك بحاجة لسؤال لماذا لا تتحرك مؤسسات الدولة (وزارة العمل،؟ الضمان الاجتماعي) لحماية من يُفترض أنهن جزء من قوة العمل الوطنية؟
إذا أردنا الجلوس في زاوية اللامنطق ونلوم العاملات على ضعف الثقافة القانونية؛ فان ذاك بمثابة عذر أسوأ من الخطيئة، فحين تفشل مؤسسات الدولة في التوعية، يكون الاستغلال نتيجة حتمية، لا مجرد حالة فردية.
ما كشفه التقرير يثبت ان هناك فجوة بين القانون وما يُطبق على الأرض؛ فالدستور يضمن المساواة، وقانون العمل يمنع التمييز، وهناك مؤسسات قائمة لحماية العمال، لكن الواقع يشي بأن هناك غطاءً ضمنيًا لانتهاك الحقوق، عبر الصمت أو الإهمال أو التسويف، والأسوأ من كل ذلك، هو اعتياد الظلم، والتعامل مع هذه الانتهاكات وكأنها جزء من «ثقافة السوق» أو «طبيعة المهنة»، وهذا هو التهديد الأخطر لأي مجتمع يريد السير نحو الحداثة أو العدالة.
النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قدمت في تقريرها توصيات منطقية ابرزها تعزيز التفتيش، ودعم مؤسسة الضمان الاجتماعي لتمكينها من القيام بدورها، وتعزيز حملات التوعية لدى العمال، وتفعيل آليات الشكوى بحيث تكون سرية وتأخذ طابع المتابعة الجادة، والأهم ضمان تنفيذ تلك التوصيات والسير بها، والسؤال الاستراتيجي والمحوري هل لدينا إرادة جادة لحماية المرأة العاملة، أم أننا ما نزال نعيش في دائرة الكلام الإنشائي والمؤتمرات؟ دون ان يتم عكس ذلك كبرامج عمل واضحة على ارض الواقع؟ وتقديم خطط قابلة للتنفيذ، ولذا بات واجب علينا بشكل اساسي محاسبة المؤسسات المخالفة، وإلزام أصحاب العمل تطبيق القانون، ووضع الية واضحة لحماية النساء العاملات بحيث يكون ذلك ضمن أولوية الدولة، وليس في ذيل اهتمامها.
نحن هنا نسلط الضوء على تقرير نقابة الخدمات العامة ليس من باب الكتابة عن الظروف القاسية التي تتعرض لها السكرتيرة فقط، بل نكتب لالقاء الضوء على اهمية مفهوم العمل الآمن، والمساواة، والكرامة، وان تصبح تلك المفاهيم جزءًا اصيلا من الثقافة المؤسسية للدولة والمجتمع، وبخلاف ذلك ستبقى المرأة العاملة سواء في مهنة السكرتاريا أو في المصانع أو غيره هدفًا سهلًا لكل أشكال الاستغلال، فالقانون عندما لا يُطبق، هو بمثابة ظلم مشرعن.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-08-2025 08:57 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |