29-06-2025 11:04 AM
بقلم : د. خالد حسين العمري
في كل عام، يعود الجدل مجددًا حول امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) في الأردن، هذا الامتحان الذي تحوّل في وعي المجتمع ومؤسسات التعليم إلى "امتحان مصيري"، بينما هو في حقيقته الأكاديمية والتربوية امتحان تخرج من التعليم العام، وليس بالضرورة أن يكون الأداة الحصرية والمطلقة للقبول في التعليم الجامعي. وقد أدى هذا الخلط في الفهم والوظيفة إلى ظلم مزدوج: ظلم للامتحان والوزارة من جهة، وظلم للطلبة من جهة أخرى.
التوجيهي: ما هو دوره الحقيقي؟
التوجيهي هو الامتحان الوطني النهائي الذي يُفترض أن يقيس مدى إتقان الطالب للمعارف والمهارات التي اكتسبها خلال سنوات التعليم الأساسي والثانوي، أي أنه يمثل "امتحان إتمام مرحلة التعليم العام". ومن منظور علم التقييم، يُفترض أن يقيس مستوى الحد الأدنى من الكفاءة التي تؤهل الطالب للانتقال إلى الحياة الجامعية أو المهنية، لا أن يكون أداة تصنيف مفصلية تحدد مصير الطالب النهائي.
أين يحدث الخلل؟
الخلل الجوهري يتمثل في أننا:
1. نحمّل التوجيهي ما لا يحتمل
نطالبه بأن يكون اختبار تخرج واختبار قبول جامعي، واختبارًا للقدرات والميول، وأداة للتمييز بين التخصصات، بل وأحيانًا معيارًا للمنح الدراسية والتوظيف... وكل ذلك من امتحان واحد، لا يتجاوز مدته أسبوعين إلى ثلاثة!
2. نربط القبول الجامعي بنتيجة امتحان واحد
في نظام التعليم الأردني، لا توجد اختبارات قبول جامعية وطنية مستقلة، مما يدفع الجامعات والمؤسسات لاتخاذ نتيجة التوجيهي كمعيار وحيد للقبول، رغم أن ذلك غير عادل أكاديميًا، ومحدود التقييم تربويًا.
3. نتعامل مع التوجيهي وكأنه "امتحان قدرات" وليس تحصيلًا دراسيًا
بينما هو مبني أساسًا على المنهاج، وبالتالي فإن الطالب المجتهد في الدراسة النظامية يكون في موقع ضعف إذا لم يمتلك مهارات الحفظ أو لم يتأقلم مع طبيعة الأسئلة أو ضغوط الامتحان.
الآثار السلبية لهذا التوظيف الخاطئ
• إرهاق نفسي واجتماعي للطالب وأسرته بسبب ضخامة التوقعات والنتائج المترتبة على علامة واحدة.
• خلل في العدالة التعليمية، إذ يُحرم الكثير من أصحاب الكفاءات والقدرات الحقيقية من فرصهم الأكاديمية بسبب أداء غير موفق في دورة امتحان واحد.
• تشويه وظيفة التعليم المدرسي، حيث يتحول العام الدراسي إلى "سباق نحو التوجيهي" بدلًا من كونه فرصة للنمو الفكري والتربوي.
• التنافس المحموم بين المدارس الخاصة: حيث يتحول التنافس على نتائج طلبة الثانوية العامة ويصبح هو المعيار الأساس ويكاد يكون الوحيد في قوة أداء المدرسة مما يعني انحراف بوصلتها التربوية.
ما هو الحل؟
الحل ليس في إلغاء التوجيهي، بل في إعادة تعريف وظيفته ووضعه في مكانه الصحيح ضمن منظومة التعليم:
1. إبقاء التوجيهي كاختبار تخرج من التعليم العام: يقيس إتقان الطالب للمعارف والمهارات الأساسية في المناهج الوطنية.
2. إنشاء مركز وطني مستقل للقياس والتقويم : يتولى تصميم اختبارات قدرات واختبارات ميول مهنية وطنية موحدة تُستخدم في القبول الجامعي.
3. تنويع أدوات التقييم للقبول الجامعي: لتشمل مقابلات، مشاريع، نتائج المدرسة، واختبارات معيارية متنوعة بحسب التخصص.
4. إعادة بناء ثقافة المجتمع: عبر الإعلام والتوعية، ليُفهم أن التوجيهي ليس نهاية المطاف، ولا معيارًا وحيدًا للنجاح أو الفشل.
خلاصة
لقد ظلمنا امتحان الثانوية العامة عندما حمّلناه أكثر مما يحتمل، وجعلناه الحَكم الوحيد على مصير الطالب الأكاديمي، بينما هو في أصله امتحان تحصيلي ختامي للتعليم المدرسي، لا اختبار قبول جامعي شامل. وإذا أردنا منظومة تعليمية أكثر عدلًا وفعالية، فعلينا أن نعيد تعريف أدوار أدوات القياس، ونفصل بين ما هو تقييم تعليمي، وما هو انتقاء أكاديمي لمراحل عليا، كما تفعل النظم المتقدمة.
د. خالد حسين العمري
خبير القياس والتقويم التربوي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-06-2025 11:04 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |