22-06-2025 08:30 AM
بقلم : ماجد الفاعوري
ما بين النفاق العربي وأبواق الممانعة الطائفية يقع الأردن اليوم في مرمى التخوين ليس لأنه خان بل لأنه لم يخن ليس لأنه انسلخ عن قضيته المركزية بل لأنه ظل ممسكاً بخيوط اتزانه لا مهادناً ولا متطرفاً لا تابعاً ولا مغامراً فغدت سيادته جريمة وحياده تهمة وقراره الوطني مدعاة للريبة في عيون من باعوا القرار وتنازلوا عن السيادة
في زمن ينهار فيه المنطق أمام الميكرفونات ويُذبح فيه التاريخ أمام الكاميرات تعلو أصوات من بيروت ترفع شعار فلسطين ثم تُسلم لبنان لحزب الله وتصيح من بغداد بشعارات الأمة بينما القرار فيها رهينة الحرس الثوري وتمتد من غزة يد حماس تتلقى الأموال من طهران ثم تطعن من فتح لها الحدود بالأمس واحتضن قياداتها في الليالي الباردة
يقول الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه
( المزايدة الأخلاقية هي أسهل أشكال الخيانة للقضية نفسها )
وفي هذا السياق يُمكن فهم حالة التخوين التي يتعرض لها الأردن إذ يتم تحميله وزر كل موقف لا يتوافق مع وهم الممانعة ولا مع أوهام الحسم العسكري ولا مع أيديولوجيات الفوضى التي جعلت من دولهم ساحات حرب ومن شعوبهم مشاريع لاجئين
من السهل أن تُخوّن الأردن وأنت في بغداد التي فقدت سيادتها البرية والجوية ومن السهل أن تُخوّنه من جنوب لبنان الذي تدار فيه الدولة ببيان من حزب الله ومن السهل أن تُخوّنه من غزة التي تحولت إلى مختبر إيراني لفحص صواريخها غير الدقيقة على حساب أرواح الأبرياء ومعاناة الأطفال
لكن من الصعب أن تُثبت أن الأردن خذل القضية
بل على العكس كان الحارس الأمين على بوابات القدس منذ اللطرون 1948 وحتى اليوم
وكان المدافع عن المسجد الأقصى في كل معركة سياسية في المحافل الدولية
وكان ولا يزال أكبر دولة استضافة اللاجئين الفلسطينيين دون أن يفرض عليهم هوية بديلة أو جنسية تمسّ حق العودة
حين زار الملك الحسين بن طلال يرحمه الله الخنادق الأمامية في معركة الكرامة عام 1968 قال لجنوده
( اليوم لا نُدافع عن تراب فقط بل عن كرامة أمة )
وقد كتب التاريخ تلك اللحظة بمداد من صمود لا من صواريخ إعلامية ولا من فصائل ممولة بل بدماء أردنية طاهرة اختلطت بالتراب الفلسطيني دفاعاً لا ادعاءً
فأي خيانة ارتكبها الأردن ؟
وهو يقف اليوم حارساً لبوابته الشرقية ضد تهريب السلاح الإيراني والكبتاغون الحوثي
وأي خيانة ارتكبها وهو يمنع أن تتحول أراضيه إلى ساحة اشتباك بين إسرائيل وإيران
وأي خيانة وهو يصد منذ أعوام مشروع الهلال الطائفي الذي يريد أن يخترق بنيته الوطنية عبر مليشيات عابرة للحدود
يريدونه أن يُغلق أجواءه لصواريخ لا يملك أحد في محورهم جواباً عن مكان انطلاقها أو أهدافها
يريدونه أن يتحول إلى منصة إطلاق نار لا إلى دولة
يريدونه أن يتخلى عن سيادته حتى يرضوا عنه
تماماً كما تخلوا هم عن سيادتهم في صفقات معلنة أو تفاهمات خفية
هل يريدنا بعض المزايدين أن نكون مثلهم
أن نطلق النار من فوق رأس شعبنا
أن نغلق مدارسنا وندمر اقتصادنا ونستدعي الحصار على شعبنا فقط ليرضى علينا من يملك فصيلاً في الضاحية الجنوبية أو قاعدة في دير الزور
من المؤسف أن يتحول خطاب المقاومة إلى دين جديد يحكم على الدول لا بسلوكها بل بانتمائها للمحور
وأن يصبح صك الوطنية في جيب من يُزايد باسم فلسطين وهو يفاوض في الخلف على حصته من الغاز أو طريق النفط أو الحدود
يقول المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد
أن تكون ضد الاحتلال لا يعني أن تكون مع كل من يرفع شعار المقاومة بل أن تكون ضد القمع بكل أشكاله
وفي هذا السياق فإن رفض الأردن أن يتحول إلى حديقة خلفية لمشاريع إيران لا يعني أنه تخلى عن فلسطين بل العكس تماماً
لأنه حين نرفض أن تُدار أراضينا بقرار خارجي فإننا نحمي القضية من التبعية
وحين نرفض أن نكون ساحة لحرب غيرنا فإننا نحمي القدس من أن تُقايض بصواريخ عبثية لا تغير شيئاً
وفي خطابه في البرلمان الأوروبي قال الملك عبد الله الثاني
القدس خط أحمر
لا نقبل المساس بها لا اليوم ولا في أي يوم قادم
وهو تصريح لا يحمل ضجيج المنابر
لكنه حمل الحقيقة الوحيدة التي ظلت ثابتة في زمن التبدل
أن الأردن ظل وحده على تماس مباشر مع القدس لا بالكلام بل بالرعاية الهاشمية
لا بالمؤتمرات بل بالمواقف السياسية الفعلية
في زمن سقط فيه العقل العربي في شرك الانتماءات الفوقية
ظل الأردن يحتكم إلى المنطق لا إلى الغرائز
إلى التاريخ لا إلى أوهام الحاضر
إلى التوازن لا إلى الاصطفافات
ومن هنا جاء التخوين لأنه رفض أن ينهار مثل الآخرين
فمن لا يعجبه أن تبقى الدولة الأردنية مستقلة القرار فلينظر أولاً إلى حال عاصمته التي تحكمها المليشيات
ومن لا يعجبه أن لا تُستخدم الأراضي الأردنية لصالح إيران فلينظر إلى عدد الشهداء الذين سقطوا في غارات التحالف الإيراني الإسرائيلي المتبادل
ومن لا يعجبه أن لا تدخل الأردن حرباً بالوكالة فلينظر إلى شعبه أولاً
الأردن لا يُزايد لكنه لا يُساوم
ولا يُخوّن أحداً لكنه لن يصمت أمام من يُخونه
فمن أراد أن يختبر صبر هذا البلد فليقرأ تاريخه
ومن أراد أن يفهم صلابته فليقترب من حدوده
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-06-2025 08:30 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |