15-06-2025 11:19 AM
بقلم : محمد عمر
منذ نشأتها، اعتمدت إسرائيل في كل حروبها على مبدأ الضربة القاضية المبكرة، وهي عقيدة عسكرية راسخة في بنيتها الأمنية والاستراتيجية. تقوم هذه العقيدة على شن هجوم أولي شامل، يهدف إلى شلّ قدرة العدو على الرد، وإنهاء المعركة قبل أن تبدأ فعليًا. هذه الضربة لا تكون فقط عسكرية، بل تُنفَّذ على شكل هجمات مركّبة: استخباراتية، جوية، سيبرانية، وأحيانًا بالتوازي مع عمليات من الداخل.
لعلّ أبرز مثال على هذا النهج كان في حرب حزيران/يونيو 1967، حين شنت إسرائيل هجومًا جويًا مفاجئًا على المطارات المصرية، وأبادت معظم الطيران المصري وهو جاثم على الأرض. خلال ساعات، انكشفت الجبهة المصرية، وتهاوت معها الجبهات العربية الأخرى، وانتهت الحرب عمليًا في أيام قليلة. هكذا أرادت إسرائيل أن تخوض جميع معاركها: النصر من الضربة الأولى.
اليوم، تعيد إسرائيل إنتاج هذه العقيدة في مواجهتها مع إيران، ولكن على مستوى مختلف تمامًا من حيث الحجم والتعقيد. ما حدث ليس مجرد عملية محدودة أو رد تكتيكي، بل محاولة حقيقية لتوجيه ضربة استراتيجية شاملة لإيران. الضربة بدأت باجتياح استخباراتي واسع، تخللته اغتيالات، وتفجيرات لمواقع حساسة، ثم تبعتها ضربات جوية مكثفة، استهدفت البنية التحتية العسكرية، خصوصًا مراكز القيادة والسيطرة، ومنصات الإطلاق، ومخازن الصواريخ.
في غضون ساعات، استطاعت إسرائيل أن تسقط ما يُعرف بـ"الطبقة العسكرية الأولى" في إيران، وهي تشمل مواقع الحرس الثوري وقواعد الطيران والطائرات المسيّرة. التقدير الإسرائيلي كان أن هذه الضربة ستُفقد إيران توازنها، وتدفع النظام إلى الانهيار أو التقهقر.
ما لم تحسبه إسرائيل هو قدرة إيران على امتصاص الضربة. ورغم الخسائر المؤلمة في الساعات الأولى، إلا أن إيران لم تدخل في حالة صدمة دائمة. بل على العكس، بدأت بردود فعل محسوبة، تتدرج في قوتها مع مرور الوقت، على شكل ضربات خفيفة، لكنها تصاعدية.
وهنا يتكشف التحوّل الكبير في ميزان المعركة: بينما بدأت إسرائيل الهجوم بكامل قوتها، ثم بدأت تتراجع وتضعف تدريجيًا في ردها، كانت إيران تتحرك بالعكس تمامًا – من الدفاع السلبي إلى الهجوم المدروس فالتصعيد الذكي. وقد وصلت هذه الضربات الإيرانية إلى ذروتها أخيرًا، حين استخدمت صواريخ دقيقة وعالية التدمير، نجحت في إصابة أهداف عسكرية وغير عسكرية داخل إسرائيل، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، وإحداث أضرار كبيرة.
في ضوء المعطيات الحالية، يتضح أن إسرائيل – رغم الدعم الأمريكي والغربي – قد لا تكون قادرة على الاستمرار في هذه المواجهة مع إيران، لا عسكريًا ولا مجتمعيًا. في المقابل، تبدو إيران كأنها تستعد لحرب النفس الطويل منذ سنوات، وقد بنت بنيتها العسكرية لتتحمل الضربات، وتحتفظ بقدرة الرد التدريجي. هذه الاستراتيجية تُظهر اليوم فاعليتها، وتجعل من الهجوم الإسرائيلي محاولة لإعادة إنتاج نموذج 1967 في بيئة لم تعد تشبه الستينات في شيء.
الحرب الحديثة لم تعد تُحسم في الأيام الأولى، ولا تكفي فيها الضربة القاضية وحدها. الحروب اليوم هي حروب استنزاف، واختبار قدرة الطرفين على التحمل والصمود. من هذه الزاوية، لا يبدو أن إسرائيل قادرة على خوض حرب طويلة النفس مع إيران، ليس فقط بسبب حجمها الجغرافي الصغير – مقارنة بإيران ذات الامتداد القاري – بل أيضًا بسبب هشاشتها الديمغرافية، وانكشاف جبهتها الداخلية التي لا تحتمل الخسائر الطويلة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
15-06-2025 11:19 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |