19-11-2025 03:04 PM
بقلم : الصيدلي عدوان قشمر نوفل
حين يفترق الجسد عن القلب ويلتقيان في إنسان واحد
في حياة الإنسان تتقاطع مفردتان عظيمتان: القوة و الشجاعة.
كثيرون يظنون أنهما شيء واحد، وأن القوي هو الشجاع، وأن الشجاع هو القوي.
لكن الحقيقة أعمق وأكثر تعقيدا… فبينهما مسافة تمتد من عضلات الجسد إلى ضمير الروح، ومن القدرة إلى الاختيار، ومن ما نملكه إلى ما نقرر أن نكونه.
أولا: القوة… ما نمتلكه ونظهره للعالم
القوة هي القدرة، هي الطاقة التي يحملها الإنسان معه في طريق حياته.
قد تكون قوة جسدية تمنح صاحبها صلابة، أو قوة نفسية تمنحه صبرا، أو قوة اجتماعية تمنحه نفوذا، أو قوة اقتصادية تمنحه تأثيرا.
القوة تقاس وترى:
في نبرة الصوت،
في صلابة الشخصية،
في القدرة على الصمود،
وفي حضور الإنسان بين الناس.
لكن القوة، مهما كانت عظيمة، تبقى وسيلة وليست غاية.
فالقوي قد يرفع الظلم… وقد يمارسه.
وقد يكون ظاهرا كالجبل، لكنه ينهار أمام كلمة حق يخشاها.
ثانيا: الشجاعة… ما نقرر فعله رغم الخوف
الشجاعة ليست قوة في الجسد، بل قوة في القلب.
هي موقف يُولد عند الامتحان، ولحظة يواجه فيها الإنسان خوفه، لا في غيابه بل في حضوره الكامل.
الشجاع ليس من لا يخاف، بل من يتقدم وهو يعلم حجم الخطر.
قد يكون جسده ضعيفا، لكنه يملك إرادة لا تنكسر.
وقد لا يملك مالا أو نفوذا، لكنه يملك كلمة تقف وحدها بوجه العاصفة.
ولهذا قيل:
القوة تمنحك القدرة… لكن الشجاعة تمنحك السبب.
ثالثا: حين يتكلم الفلاسفة… تكتمل الصورة
لم يكن الفلاسفة يومًا غافلين عن هذا التمييز.
فـ أرسطو يرى في كتابه الأخلاق النيقوماخية أن الشجاعة هي “الوسط بين الجبن والتهور”، أي أنها ليست اندفاعا أعمى ولا خوفا paralysing… بل قرار عقلاني أخلاقي في اللحظة الصعبة.
أما أفلاطون في الجمهورية، فقد جعل الشجاعة فضيلة أساسية من فضائل “حراس المدينة”، وميزها عن القوة العسكرية، لأن القوة تحمي الجسد، بينما الشجاعة تحمي المبدأ.
وفي العصر الحديث، يقول بول تيليخ في كتابه الشجاعة أن تكون إن الشجاعة هي “القدرة على مواجهة القلق والخوف من العدم”، أي أنها تتجاوز الجسد لتصل إلى عمق الوجود نفسه.
حتى نيتشه، الذي اشتهر بفلسفة القوة، يؤكد أن “أعظم قوة يملكها الإنسان هي أن يقول نعم للحياة رغم جراحها”.
وهذا الاستشهاد يلخص لنا أن الشجاعة ليست في يد تضرب، بل في روح تنهض وتستمر.
رابعا: حين تفترق القوة والشجاعة… وحين تلتقيان
القوة يمكن أن توجد بلا شجاعة، فتولد جبروتا وظلما.
والشجاعة يمكن أن توجد بلا قوة، فتولد بطولة قد يدفع صاحبها حياته ثمنا لها.
لكن حين يجتمعان في إنسان واحد… يولد القائد.
إنسان يعرف كيف يستخدم قوته بما تمليه عليه شجاعته، لا بما تمليه عليه شهوته
القوة دون شجاعة سفينة بلا بوصلة،
والشجاعة دون قوة مصباح بلا حارس،
أما اجتماعهما… فهو ما يصنع المواقف التي تبقى حية في ذاكرة الناس.
الخلاصة
القوة هي ما نملك.
والشجاعة هي ما نختار.
القوة تسند الجسد،
والشجاعة تسند الروح.
وبين الجسد والروح يولد الإنسان الحقيقي…
الإنسان الذي يعرف أن عظمته ليست في عضلاته، بل في مواقف
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-11-2025 03:04 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||