حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,19 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 9921

د. هيثم علي حجازي يكتب: حول تصريحات رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة

د. هيثم علي حجازي يكتب: حول تصريحات رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة

د. هيثم علي حجازي يكتب: حول تصريحات رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة

19-10-2025 12:37 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. هيثم علي حجازي
أثار تصريح رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة جدلا واسعا بعد قوله إنّ مَن يُولد اليوم قد يحتاج إلى "73 عاما" ليحصل على وظيفة حكومية، وهو ما اعتبره كثيرون مؤشرا خطيرا على عمق أزمة البطالة وتراجع فرص التعيين في القطاع العام. ورغم توضيح الهيئة لاحقا أن العبارة أُخرجت من سياقها، وأن المقصود منها تسليط الضوء على التحديات التي يواجهها نظام الدور في التعيينات، إلا أن وقع التصريح ترك أثرا واضحا في الشارع الأردني وأعاد النقاش حول مستقبل العمل الحكومي ودور القطاع العام في استيعاب الخريجين.
وفي الحقيقة لم أجد خطأ في تصريح رئيس هيئة الخدمة. فمنذ سنوات عديدة ورؤساء ديوان الخدمة المدنية السابقون أدلوا بمثل هذا التصريح لأكثر من مرة من مبدأ الشفافية والمكاشفة، والتحذير من اعتناق ثقافة الانتظار، وضرورة تجنب الالتحاق بالتخصصات الراكدة والمشبعة في الجامعات ، واللهاث وراء الوظيفة الحكومية، خاصة وأن القطاع الحكومي أصبح مشبعا وغير قادر على استيعاب المزيد من الموظفين، إذ بلغ عدد العاملين في هذا القطاع وحسب آخر إحصائية منشورة على موقع الهيئة 230.404 موظفين، وهو رقم يعادل النسبة المئوية المتعارف عليها على صعيد العالم، علما أن هذا الرقم مرشح للارتفاع مع استمرار التعيينات بنحو 7000 الى 8000 وظيفة سنويا يذهب معظمها إلى وزارتي الصحة، والتربية والتعليم.
من المهم جدا هنا إيضاح أن ديوان الخدمة المدنية سابقا، هيئة الخدمة والإدارة العامة حاليا، هو جهة منظمة لسوق العمل في القطاع الحكومي. بمعنى أن الديوان / الهيئة تمارس نشاط التوظيف وفق إجراءات ومعايير صارمة، بالإضافة الى مراقبة تنفيذ أحكام النظام المعتمد. وبالتالي، فإن الهيئة اليوم هي الجهة التي تلبي احتياجات المؤسسات الحكومية من خلال المخزون الموجود لدى الديوان وتراقب عملية التعيين من خلال الإعلان المفتوح، ولم يكن الديوان، وكذلك الهيئة، في أي يوم من الأيام مَن يحدد احتياجات الوزارات والمؤسسات، بل يعمل فقط على تزويد الوزارات والمؤسسات باحتياجاتها حسب المعايير المتبعة. وبمعنى أدق إذا طلبت الوزارات والمؤسسات الحكومية تعيين موظفين يرشح لها الديوان / الهيئة مترشحين من مخزونه لتعبئة الشواغر المطلوبة.
أما قضية إلغاء الدور والتوجه نحو الإعلان المفتوح فهي قضية كانت مدار بحث منذ سنوات طويلة، إذ يواجه آلاف الخريجين صعوبة في الحصول على فرصة عمل في القطاع العام بعد سنوات من الدراسة، مع الشكوى مِن أن التوظيف عبر الدور أصبح بطيئا، بينما لا يزال القطاع الخاص غير قادر على توفير فرص بديلة مستقرة أو برواتب مجزية.
الاعتماد على "نظام الدور" لم يعد يتناسب مع التحولات السريعة في سوق العمل، ولا مع حاجة المؤسسات إلى الكفاءات المتخصصة، وقد تخلت غالبية دول العالم عن هذا النظام منذ عقود عديدة. لذلك، فإن الانتقال إلى "الإعلان المفتوح" قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح، شريطة أن يُطبق بشفافية وعدالة تامة، خاصة وأن
معدل التوجيهي ومعدل التخرج من الجامعة ليسا مؤشرين حقيقيين على ما يمتلكه الخريج من مهارات وكفايات ومعارف ومعلومات، والجميع يعلم واقع امتحانات التوجيهي وما يجري في الجامعات.
الأساس في نظام الإعلان المفتوح أنه حينما تكون هناك حاجة لتعيين موظفين حكوميين من حملة تخصص معين في منطقة جغرافية محددة، تتم دعوة حملة التخصص المطلوب من أبناء المنطقة الجغرافية تلك جميعهم، وبغض النظر عن سنة التخرج ومعدلات التخرج، للتقدم لامتحان تنافسي يقيس مهاراتهم ومعارفهم وكفاياتهم، وكذلك للمقابلة الشخصية، ومن ثم يتم اختيار اصحاب الكفاءة للعمل في القطاع الحكومي. إن مثل هذا الإجراء سيحقق أمورا ايجابية، أولها: إتاحة الفرصة أمام جميع الخريجين للتنافس وبمساواة تامة. وثانيها: ضمان دخول أصحاب الكفاءة إلى الجهاز الحكومي، وثالثها التخلص من ثقافة انتظار الدور.
رغم ما أثاره التصريح من جدل، إلاّ أني، وكثيرين غيري، نرى فيه جرس إنذار حقيقيا حول ارتفاع الطلب على الوظائف الحكومية، وتراجع قدرة الدولة على الاستيعاب، خاصة في ظل محدودية الموارد وارتفاع النفقات التشغيلية. ما قاله رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة يجب أن يُقرأ باعتباره إشارة إلى عمق المشكلة لا سببا للجدل فقط، وهذا الواقع يتطلب تحولا حقيقيا في السياسات الحكومية نحو دعم المشاريع الريادية الصغيرة والمتوسطة، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار قادرة على خلق فرص عمل جديدة، بعيدا عن الاعتماد التقليدي على الوظيفة الحكومية، وإيلاء التعليم المهني المزيد من الرعاية، مع إعادة النظر في التخصصات المشبعة والراكدة.

د. هيثم علي حجازي
رئيس ديوان الخدمة المدنية الأسبق / أمين عام رئاسة الوزراء الأسبق











طباعة
  • المشاهدات: 9921
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-10-2025 12:37 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنجح "إسرائيل" بنزع سلاح حماس كما توعد نتنياهو رغم اتفاق وقف الحرب بغزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم