19-10-2025 11:37 AM
بقلم : صائب عارف
في عالم تتكرر فيه الحروب وتتعاقب الهدنات فأن وقف إطلاق النار لا يعني نهاية الصراع. فكم من اتفاقية هدنة احتُفي بها في لحظتها كـ“إنجاز للسلام”، لكنها لم تلبث أن انهارت لتُعيد المشهد ذاته من الدمار والدموع.
الحقيقة ا هي أن السلام ليس لحظة، بل مسار طويل وشاق، يتطلب ما هو أبعد من توقيع اتفاقيات أو رفع أعلام بيضاء. الهدنة قد تُوقف نزيف الدم مؤقتًا، لكنها لا تعالج الجرح المفتوح في الوجدان الإنساني، ولا تمسّ جذور الصراع المتجذّرة في الأرض والحقوق والكرامة.
الهدنة… إسعاف ميداني لصراع سياسي
الهدنة تشبه إلى حدّ كبير العلاج المؤقت الذي يخفف الألم دون إزالة المرض. فهي تُفرض غالبًا بضغط دولي أو لتقطيع الوقت بانتظار تغيرات ميدانية أو سياسية. في هذه المرحلة، تُجمّد البنادق لكنها لا تُطفئ نار الغضب.
وما دامت الأسباب التي أشعلت الحرب قائمة — من ظلم أو احتلال أو تهميش أو غياب العدالة — فإن العودة إلى المربع الأول مسألة وقت لا أكثر.
لقد شهدنا في التاريخ الحديث أمثلة كثيرة لذلك، من البوسنة إلى غزة، ومن لبنان إلى اليمن، حيث تحوّلت الهدن إلى مجرد وقف مؤقت للانفجار القادم. وفي كل مرة، يدفع المدنيون الثمن الأكبر، فيما تبقى ملفات العدالة والمساءلة والحقوق مؤجلة إلى إشعار آخر.
السلام الحقيقي… عندما تُطفأ النار داخل النفوس
السلام لا يُفرض بالبنادق، بل يُصنع بالعقول. إنه عملية معقدة تبدأ بالمصالحة الحقيقية، وإعادة بناء الثقة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية.
السلام لا يعني أن يتوقف القتال فقط، بل أن يتغيّر الوعي الجمعي، وأن يشعر كل طرف أن كرامته مصونة وحقوقه معترف بها. عندها فقط، يمكن أن يتحول العدو إلى شريك في بناء مستقبل مشترك.
وما لم يتحقق ذلك، فإن أي اتفاق يبقى مجرد وثيقة ورقية تُعلّق على جدران قاعات التفاوض، بينما الحقد والكراهية تنتظران لحظة الانفجار التالية.
سلام بلا عدالة… هدنة مزيّفة
من أخطر المفاهيم التي تواجه العالم اليوم هو القبول بـ”سلام ناقص”؛ سلامٍ يقوم على تهميش طرف أو على تجميد المطالب المشروعة باسم الواقعية السياسية.
لكن السلام الذي لا يتضمن عدالة حقيقية ليس سوى هدنة مزيّفة، تحمل في داخلها بذور حرب قادمة.
فالشعوب لا تنسى، والأمم التي تُسلب حقوقها لا تهدأ، حتى وإن خيّم الصمت مؤقتًا على الميدان.
ختامًا… بين الهدنة والسلام مسافة وعي
إيقاف الحرب ضرورة إنسانية عاجلة، لكنه ليس هدفًا بحد ذاته، بل مجرد خطوة أولى في طريق طويل نحو سلامٍ راسخٍ وعادل.
السلام الدائم لا يُبنى على خوف أو موازين قوى عابرة، بل على إرادة حقيقية لتصحيح التاريخ وصناعة مستقبل مختلف.
إن الهدنة قد تنقذ الأرواح، لكنها لا تبني الأوطان.
أما السلام، فهو وحده الذي يرمم ما كسرته الحرب، ويمنح الشعوب الحق في أن تحلم… دون أن تخاف من الغير
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-10-2025 11:37 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |