04-10-2025 07:47 PM
بقلم : د. رأفت غالب البيايضة
في لحظة سياسية فارقة، جاء إعلان حركة حماس موافقتها على مقترح ترامب ليكشف عن تحوّل استراتيجي عميق، تتداخل فيه العوامل العسكرية بالمعادلات السياسية والإقليمية. فالبيان لم يكن استسلاماً، بل كان مناورة ذكية، قراءة باردة لموازين القوى في ساحة حربٍ تجاوزت قدرات القطاع المحدود إلى حسابات دولية كبرى.
العنصر العسكري في القرار لا يمكن فصله؛ فالمقاومة بعد عام من القتال استنزفت قدرات الاحتلال وأربكته، لكنها في المقابل تدرك أن استمرار النزيف دون سقف سياسي سيحوّل النصر التكتيكي إلى عبء استراتيجي. لذلك جاء القبول بالتبادل والانسحاب الكامل كصياغة تحفظ ماء الوجه، وتحوّل المعركة إلى مكسب سياسي يمكن البناء عليه.
سياسياً، أدركت حماس أن إدارة غزة لم تعد مجرد شأن فلسطيني داخلي، بل ملف إقليمي ودولي يضغط فيه الأمريكي والإسرائيلي والعربي معاً. ومن هنا جاء طرح "هيئة تكنوقراط مستقلة" كرسالة مزدوجة: خروج مشرّف من عبء الإدارة اليومية، وإلقاء الكرة في ملعب الإجماع الوطني الفلسطيني والعربي.
أما البعد الإقليمي، فالمقترح الأمريكي حمل في طياته اعترافاً عملياً بدور الوسطاء العرب والإسلاميين، وتراجعاً إسرائيلياً غير معلن عن فكرة الاحتلال المباشر أو التهجير. وهذا يعني أن غزة لم تعد ورقة محاصرة، بل عقدة إقليمية يجري التفاوض عليها في عواصم القرار الكبرى.
على الجانب الإسرائيلي، جاء الإعلان بمثابة صدمة داخلية. فقبول حماس بالتبادل الشامل ليس تنازلاً، بل مناورة قلبت الطاولة، إذ تعيد فتح جرح الجنود الأسرى والضحايا، وتضع حكومة تل أبيب في مواجهة الرأي العام الذي بات يطالب بالنتائج بعد أن تلاشت وعود الحسم العسكري. هنا تتحول القضية من معركة مع غزة إلى أزمة سياسية داخل إسرائيل نفسها، تفتح الباب أمام انهيار تحالفات وزارية، وربما إعادة تشكيل الخريطة الحزبية برمتها.
الرسالة الأعمق أن حماس انتقلت من خطاب "المقاومة وحدها" إلى خطاب "المعادلة الشاملة": والسياسة توظفها في لحظة مناورة تحفظ الحقوق وتمنع الهزيمة. ومن هنا يصبح المشهد مفتوحاً على احتمالين: إما أن يتحول الاتفاق إلى بداية مسار سياسي فلسطيني جديد، أو أن يبقى مجرد هدنة طويلة تعيد إنتاج الأزمة بصيغ جديدة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-10-2025 07:47 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |