29-09-2025 09:01 AM
بقلم : نادية سعدالدين
من ثنايا حرب الإبادة الصهيونية المستمرة ضد قطاع غزة؛ تتعالى الأصوات الدولية المطالبة باستبعاد حركة «حماس» من المشهد الداخلي الفلسطيني ونزع سلاح فصائل المقاومة، كشرط مُسبق لإعادة الإعمار أو لتحقيق «سلام دائم»، ولكنها دعوات تتجاهل جذور الصراع العربي– الصهيوني، الذي لا حل له إلا بمعالجة مسبباته، ألا وهو: الاحتلال.
تُمثل «حماس» إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية، نتاجاً طبيعياً ومباشراً لحالة الاحتلال المستمرة منذ عقود. فهي تعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني الثابت بصموده الأسطوري وتضحياته الجسيمة ضد الظلم والقهر والتنكيل، مثلما تعكس الوجه الآخر للتنكر الصهيوني المُستميت لحقوقه الوطنية المشروعة في التحرر وتقرير المصير وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف.
وطالما بقي الاحتلال جاثماً فوق أرض فلسطين المحتلة، فإن الحديث عن «نزع سلاح المقاومة» قبل إنهائه، يُصبح فاقداً للمنطق السياسي والأخلاقي، واختلالاً واضحاً في طبيعة الصراع، وقلباً صارخاً للحقائق عبر مطالبة الشعب الرازح تحت الاحتلال بالتخلي عن أدوات مقاومته مقابل احتفاظ المُحتل بكامل ترسانته وسياسته القمعية، ومنحه الضوء الأخضر للاستمرار في حربه العدوانية ضد غزة واستعمار أرض فلسطين والمضي في مخططات الاستيطان والضم والتهجير وتهويد القدس وإطلاق يد المستوطنين المتطرفة في انتهاكات يومية متواصلة ضد أصحاب الأرض الفلسطينيين.
ولأن المقاومة بحسب القانون الدولي حق مشروع للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، فمن حق الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال الصهيوني حتى دحره من أرضه، فالشرعية الأخلاقية والقانونية والدولية للمقاومة ما تزال قائمة ما دام الاحتلال مستمراً. أما سلاح المقاومة فهو وسيلة للدفاع عن الوطن والشعب والأرض وتحقيق أهداف سياسية ووطنية مشروعة، وأي توجه لطرح «نزعه» يجب أن لا يتم إلا بعد إنهاء الاحتلال وتفكيك المشروع الصهيوني.
أما الحديث عن تجاوز «حماس» في المعادلة السياسية والأمنية في قطاع غزة فهو بعيد عن الواقع، وينطوي على جهل بأيديولوجية الحركة وفكرة المقاومة وعقيدتها الدينية وبنيتها الهيكلية التنظيمية ومصادرها التمويلية وارتباطاتها الإقليمية، وبوصفها حركة تحرر وطني متجذرة في نسيج المجتمع الفلسطيني وراسخة في وجدانه، تحظى بتأييد شعبي إسلامي وعربي وعالمي تعاظم بعد عملية «طوفان الأقصى». بينما اختبر الاحتلال قدرات تنظيمها العسكري وإمكانياته أثناء عدوانه المستمر حالياً، وحروبه المتوالية السابقة على قطاع غزة، حيث لم ينجح في تفكيك الحركة أو تهميشها.
ولا يستقيم أي حديث واقعي عن مستقبل غزة بدون أن يتضمن «حماس» كطرف أساسي في القضية الفلسطينية والمعادلة السياسية، وعلى المجتمع الدولي والكيان الصهيوني أن يتعاملا معها كلاعب فلسطيني رئيسي في تقرير مصير القضية الفلسطينية. وعندما يُعاد بحث ملف إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، بعد فترة من انتهاء الحرب، لانضواء حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وقوى اجتماعية وسياسية عريضة غير ممثلة في أطرها، فسيتم ذلك بأوزان مختلفة، لصالح غلبة الثقل السياسي والميداني لحماس وفصائل المقاومة.
لا شك أن فشل الاحتلال حتى الآن في تحقيق أهدافه من وراء عدوانه المستمر على غزة يعود إلى صمود المواطن الغزي وتمسكه بأرضه، رغم مجازره الوحشية وإراقة الدم الفلسطيني، ونظير صلابة المقاومة التي كبدت جيشه خسائر، مادية وبشرية، مؤلمة. إن حرب الإبادة عززت من دور المقاومة الفلسطينية كحركة تحرير وطني ضد الاحتلال لتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال والتحرير وتقرير المصير وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، مما يقوي استمرار الالتفاف الشعبي حول المقاومة، بعدما بات الشعب الفلسطيني يرى فيها نموذجاً للقيادة والتحرر من الاحتلال والضامن الوحيد لحماية أمن وحقوق الفلسطينيين ووقف الاستيطان.
ومن ذلك؛ فإن أي محاولة لتجاوز «حماس» أو نزع سلاح المقاومة بدون معالجة جذر الصراع، أي الاحتلال، محكوم عليها بالفشل، وقد تؤدي إلى مزيد من التصعيد، لأن الطريق نحو إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة لا يمر عبر محاصرة المقاومة، بل عبر الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال وتقرير المصير وحق العودة.
لا يُعد استبعاد المقاومة قبل إنهاء الاحتلال ضرباً من الوهم السياسي فقط، بل يُمثل أيضاً وصفة جاهزة لاستمرار الصراع العربي- الصهيوني، وتعميق معاناة الشعب الفلسطيني، وإطلاق يد الكيان المُحتل التوسعية في فلسطين المحتلة والمنطقة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-09-2025 09:01 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |