28-09-2025 07:59 PM
سرايا - الضحك ليس مجرد شعور شخصي، بل هو شيء نشاركه مع بقية الثدييات. سواء أحببت ذلك أم لا، فشفاهك قد بدأت تتحرك الآن دون أن تشعر.
الجلوس في جمهور عرض كوميدي، مشاهدة فيلم مضحك، أو حتى في حفلة المكتب حين يطلق مديرك أفضل نكتة "طرق الأبواب" كلها أماكن يكون فيها الضحك متوقعًا ومشجعًا.
أما في لحظة هدوء بالكنيسة؟ فالأمر مختلف. ومع ذلك، إذا سمعت شخصًا آخر يضحك، فمن المرجح أن تشعر بالرغبة في الضحك أيضًا – حتى لو كان غير مناسب! فهل نحن بحاجة للسيطرة على أنفسنا، أم أن الضحك حقًا معدٍ؟ الجواب، ببساطة، هو نعم.
توضح الدكتورة ساندي مان، عضو الجمعية البريطانية لعلم النفس، أن "الضحك معدٍ، وفي الواقع جميع المشاعر معدية. نحن مهيؤون لاستشعار مشاعر الآخرين." هذا جزء من تطورنا، وهو سلوك نشاركه مع بقية الثدييات. فقد ثبت أن القردة – أقرب أقربائنا – تضحك بطريقة تشبه الإنسان بشكل مذهل. وإذا سنحت لك فرصة الاقتراب من بونوبو لمحاولة دغدغته (وهو ليس بالضرورة مستحسنًا!)، ستعرف ما نعنيه.
وأظهرت أبحاث حديثة أن القردة قد تمتلك حسًا فكاهيًا وتحب المزاح مع بعضها البعض. وخلصت مراجعة عام 2021 إلى أن 65 نوعًا من الحيوانات تظهر سلوكيات صوتية تشبه الضحك البشري عند المرح، أغلبها من الثدييات وبعض الطيور. وفي الواقع، الضحك جزء أساسي من الإنسانية، يتجاوز اللغة والثقافة، فلا توجد أي جماعة على الأرض لا تضحك.
السبب وراء انتشار الضحك بسهولة يكمن، كما تقول الدكتورة مان، في أن المشاعر المشتركة تقوي الروابط الاجتماعية. البروفيسور روبن دنبار من جامعة أكسفورد أضاف في دراسة عام 2022 أن البشر يضحكون معًا دائمًا، لكننا نادرًا ما نرى أحدًا يقوم بتنظيف شعر الآخر كما في الماضي.
ويشرح دنبار أن أسلافنا استخدموا الضحك لتوسيع حجم الجماعات البشرية بعد أن تجاوزت حدود الترابط الناتجة عن النظافة الاجتماعية. فالنظافة الاجتماعية، مثل نتف الحشرات من الشعر، ترفع مستويات الإندورفين في الدماغ، وهو ما يقلل الألم ويجعلنا نشعر بالراحة. والضحك له تأثير مشابه، مع ميزة كونه أقل حميمية وأسرع من النظافة الاجتماعية. لذلك نضحك معًا دائمًا، لكن نادرًا ما نرى أحدًا ينظف شعر الآخر الآن.
إضافة إلى ذلك، الضحك يساعد على تخفيف التوتر. في المواقف الصعبة، يمكن للفكاهة أن تقلل الضغط وتعزز الترابط بين الناس. أحيانًا نحتاج فقط للابتسام والضحك للاستراحة من التوتر.
قد يكون الضحك السوداوي، أو "الفكاهة على المشانق"، وسيلة لتخفيف الضغط، شائعة بين العاملين في المهن التي تتعرض بانتظام لمواقف صعبة. كما أوضحت سارة كريستوفر، المحاضرة السابقة في جامعة شيفيلد هالام، فإن العاملين في المجال الطبي والطوارئ غالبًا ما يستخدمون الفكاهة لمواجهة المواقف الصعبة، مما يعزز القدرة على الصمود.
حتى في أحلك فصول التاريخ، ساعدت الفكاهة الناس على الحفاظ على معنوياتهم. دراسة تضمنت شهادات ناجين من المحرقة توضح كيف ساعدهم الضحك على الاستمرار في مواجهة الظروف القاسية.
في المجال الطبي، ليست الطواقم الطبية فقط من تستفيد، بل المرضى أيضًا. فالضحك يمكن أن يقلل الألم والتوتر ويحسن تجربة المريض. على سبيل المثال، دراسة أُجريت في خمسة أقسام طوارئ بأستراليا أظهرت أن مريضة تُدعى "جانيت" سجلت 38 حالة ضحك خلال 6.5 ساعات.
وأظهرت المحادثات أن بعض الأطباء لم يردوا على محاولاتها للفكاهة، لكنها وجدت دعمًا عند إحدى الممرضات التي شاركتها الضحك، مما ساعد على تخفيف توترها والانزعاج من كونها مريضة.
الضحك البشري متعدد الأوجه. هناك الضحك العفوي الذي يحتاج منك أن تكون حاضرًا لتفهمه، وهناك الضحك على التناقضات والمواقف غير المتوقعة. أحيانًا نضحك في أوقات لا ينبغي، مثل بعد تلقي أخبار سيئة، لكن هذا الضحك يعمل كوسيلة لتخفيف التوتر.
كما نضحك على أنفسنا وهو شيء يشتهر به البريطانيون أو على حظوظ الآخرين، ما يسميه الألمان "schadenfreude" هذا النوع من الضحك معروف جدًا حتى أنه أُدرج في الموسيقى المسرحية "Avenue Q"
الضحك يمكن أن يكون مفتاحًا لبناء العلاقات: فك النكتة قد يكسر الجليد بين الناس، يعزز الترابط، وربما يفتح بابًا لفرصة عمل أو موعد ثاني. دراسة الفكاهة في علم النفس تفتح نافذة على الكثير من جوانب الشخصية الإنسانية.
الضحك، مثل كثير من تعبيرات المشاعر الإنسانية، معدٍ. لكن على عكس الأمراض، هذه العدوى تستحق الانتشار. القليل من الضحك يجعل اللحظات اليومية أكثر خفة وسعادة، ويساعدنا على التواصل مع الآخرين بطريقة طبيعية وسلسة. كما كتب دنبار: "المحادثات التي تفتقر للضحك تصبح صعبة وسريعة الملل."
والضحك ليس مجرد شعور، إنه تجربة اجتماعية تطورية تجمعنا، تخفف الضغط، وتعزز روابطنا الإنسانية. وكل ضحكة، مهما كانت قصيرة، تستحق أن تنتشر.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-09-2025 07:59 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |