21-09-2025 02:50 PM
بقلم : زياد فرحان المجالي
حين نتحدث عن دولة تسعى إلى ترسيخ القيم الإنسانية في ميدان الطب، فلا بد أن نضع وزارة الصحة الأردنية في الصدارة. فهذه الوزارة لم تعد مجرد مؤسسة إدارية تُعنى بتنظيم المستشفيات والكوادر، بل صارت مدرسة في حماية حقوق المرضى وضمان جودة الرعاية الصحية، عبر سياسات متقدمة تنسجم مع أرقى المعايير العالمية.
ولعل أبرز هذه السياسات ما يتعلق بـ الموافقة الحرة المستنيرة، التي أطلقتها الوزارة لتكون مظلة قانونية وإنسانية لكل إجراء طبي، بحيث يصبح المريض شريكًا في القرار، لا مجرد متلقٍ للعلاج. هذا التوجه لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة جهود طويلة، وتعديلات دقيقة على القوانين والأنظمة، أبرزها قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم 25 لسنة 2018، وقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فضلًا عن المرجعيات الدولية كمعايير منظمة الصحة العالمية.
وزارة الصحة في هذا الجانب لم تكتفِ بالجانب القانوني، بل ذهبت أبعد من ذلك: وفرت نماذج واضحة وبسيطة تراعي جميع الفئات، من ذوي الإعاقة إلى الأميين، وألزمت الكوادر الطبية بالشرح الشفاف قبل أي تدخل، وحمّلت الإدارات مسؤولية متابعة الالتزام وتوثيق النماذج. وهنا يظهر عمق الفلسفة الإصلاحية: حماية المريض من أي إجراء غير معلوم، وتوفير غطاء قانوني للأطباء والكوادر، مما يعزز الثقة بين الطرفين.
ما يلفت الانتباه أن وزارة الصحة لم تنظر إلى هذا الملف على أنه إجراء شكلي، بل جعلته سياسة متكاملة تشمل العمليات الجراحية، التخدير، الفحوص المعقدة، التبرع بالأعضاء، وحتى المشاركة في الأبحاث العلمية. فالمريض الأردني اليوم، بفضل هذه السياسة، بات يملك حق المعرفة المسبقة وحرية القبول أو الرفض، وهو ما يضع الأردن في مصاف الدول التي تحترم كرامة الإنسان وتعتبرها أساسًا للعمل الطبي.
إن إشراك المريض في القرار الصحي هو خطوة حضارية تعكس رؤية الدولة الأردنية لقطاع الصحة: رعاية مبنية على الشراكة، لا على التلقين. وهذا ينسجم مع شعار الوزارة الدائم: “المريض أولًا”. فما من قيمة أسمى من أن يشعر المريض أن صوته مسموع، وأن خياراته محترمة، وأن حياته ليست موضع قرار فوقي بل ثمرة حوار ووعي.
وزارة الصحة أيضًا نجحت في تدريب كوادرها على تطبيق هذه السياسة: الأطباء أصبحوا أكثر وعيًا بالشرح، الممرضون أكثر حرصًا على توثيق النماذج، والإدارات أكثر التزامًا بحفظ الملفات. هذا كله انعكس على جودة الخدمة، وخفّض نسبة الأخطاء الطبية، ورفع مستوى الثقة بالمؤسسات الصحية العامة.
ولا يمكن إغفال أن هذه الخطوة تعكس إرادة سياسية أوسع: فالحكومة الأردنية تدرك أن الصحة ليست ترفًا، بل هي أساس الاستقرار والأمن المجتمعي. من هنا جاء الاستثمار في القوانين والأنظمة التي تجعل المريض في قلب العملية الصحية، وتجعل الأردن نموذجًا يُحتذى به في المنطقة.
في زمن يعاني فيه العالم العربي من ضعف الثقة بين المواطن والمؤسسات، جاءت وزارة الصحة الأردنية لتقدم نموذجًا مضيئًا: مؤسسة تنحاز للإنسان، تحميه بالقانون، وتدعمه بالعلم، وترعاه بالمسؤولية.
إن ما تقوم به وزارة الصحة الأردنية اليوم ليس مجرد تنظيم إداري أو تحديث إجرائي، بل هو إعلان واضح أن كرامة الإنسان فوق كل اعتبار. الموافقة الحرة المستنيرة ليست ورقة تُوقَّع، بل هي ثقافة جديدة تعكس أن المريض الأردني حر، شريك، وصاحب قرار. وبهذا، تكون الوزارة قد رفعت راية الإصلاح الصحي عاليًا، لتقول للعالم: هنا الأردن… حيث تُصان الحقوق، وتُحترم الكرامة، ويصبح الطب رسالة إنسانية قبل أن يكون مهنة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-09-2025 02:50 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |