بقلم : الدكتوره حنان محمود عبد الرحيم
شهدت باكستان منذ استقلالها عام 1947 مسيرة متقلبة في سياستها الخارجية، متأثرة بالتحديات الداخلية والتحولات الإقليمية والدولية. وقدمت دراسة شاهيد م. أمين في كتابه “Pakistan's Foreign Policy: A Reappraisal” قراءة معمقة لمسار السياسة الخارجية الباكستانية، مستندة إلى خبرة طويلة في السلك الدبلوماسي امتدت إلى أربعة عقود، تضمنت محطات مهمة مثل نيودلهي وطهران ولندن ونيويورك.
ويركز الكتاب على تحليل العلاقات الثنائية لباكستان مع الهند والصين والولايات المتحدة والدول الإسلامية موضحًا كيف شكلت الصراعات الإقليمية، مثل النزاع مع الهند على كشمير، والحروب الإقليمية، الدور المركزي في صياغة الخيارات الاستراتيجية للبلاد. كما يناقش الكتاب تأثير العوامل الداخلية، من بينها انقلابات الجيش، التوترات السياسية، والفساد الإداري، على قدرة باكستان على تبني سياسات خارجية متماسكة ومستقرة.
إن قراءة الكتاب تكشف عن أن باكستان اعتمدت في كثير من الأحيان على استراتيجيات توازن دقيقة بين القوى الإقليمية الكبرى، مع محاولة تأمين مصالحها الوطنية ومواجهة الضغوط الدولية. وهذا التوازن لم يكن سهلاً، وكان محفوفًا بالمخاطر، سواء على صعيد العلاقات مع الهند أو الولايات المتحدة، أو على صعيد الأمن الداخلي.
واليوم، فإن ما وصفه شاهيد أمين من تحديات لا يزال حاضرًا في سياسات باكستان الخارجية. فالعلاقات مع الهند تظل متوترة، خصوصًا حول قضية كشمير، فيما تنشط باكستان في تعزيز شراكات استراتيجية مع الصين، ضمن مشروع الحزام والطريق الصيني، لضمان الاستثمارات الاقتصادية وتعزيز القوة الجيوسياسية كذلك، تواصل باكستان التعامل بحذر مع الولايات المتحدة، مستفيدة من التعاون الأمني والاقتصادي، لكنها تحرص على حماية استقلال قراراتها الاستراتيجية.
وتؤكد هذه القراءة أن تجربة باكستان الخارجية منذ استقلالها وحتى اليوم تتسم بمرونة تكتيكية، محاولات للتوفيق بين الضغوط الإقليمية والدولية، ورغبة في الحفاظ على استقرار الدولة داخليًا. كما يوضح الكتاب الدور الحاسم للخبرة الدبلوماسية في التفاعل مع الأحداث الكبرى، وهو درس مهم لفهم السياسات الحالية لباكستان في مواجهة التحديات الإقليمية، بما في ذلك الإرهاب، الأزمات الاقتصادية، والتحولات في تحالفات القوى الكبرى.
ويعطي كتاب شاهيد أمين إطارًا تحليليًا متينًا لفهم السياسة الخارجية الباكستانية، ويتيح للقارئ استيعاب كيفية تأثير التاريخ الدبلوماسي الطويل على الخيارات الاستراتيجية المعاصرة. وبالنظر إلى الوضع الحالي تبرز أهمية الاستفادة من الدروس الماضية لتعزيز موقع باكستان الإقليمي والدولي، وتحقيق توازن فعال بين المصالح الداخلية والخارجية.



الدكتوره حنان محمود عبد الرحيم
كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة سامراء