حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,6 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 8783

زهير الشرمان يكتب: الهبوط والعبرة

زهير الشرمان يكتب: الهبوط والعبرة

زهير الشرمان يكتب: الهبوط والعبرة

04-09-2025 10:25 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : زهير عبدالله الشرمان
عند الغوص في النصوص المقدسة، لا نجد مجرد سرد تاريخي، بل دروس تحمل ابعادا زمنية تمتد الى الواقع المعاصر. هبوط آدم وزوجته من الجنة بعد عصيان امر إلهي واحد ليس حادثة تاريخية فحسب، بل تجربة تأسيسية تكشف عن طبيعة الظلم وعواقبه، وترسم علاقة متشابكة بين الاختيار، الحرية، المسؤولية، والمعرفة.

التعليم الإلهي القائل لسكن آدم وزوجه في الجنة مع التحذير من الاقتراب من شجرة محددة، يحمل حكمة عميقة، حتى المعصية البسيطة قد تحمل في طياتها قوى مدمرة للنفس وللبيئة المحيطة. استخدام القرآن لكلمة «الظالمين» لم يكن اعتباطيا؛ فهي تختصر تجاوز الحق والحدود بما يفضي الى الضرر الذاتي والمعنوي. درس اولي يتجلى هنا بوضوح، أي خطوة خارج نطاق الحق مهما بدت صغيرة، تحمل في طياتها احتمال الهبوط والتغير الدائم.

في لحظة الاختبار الاولى كشف آدم (عليه السلام) أن الظلم ليس مجرد فعل عابر، بل حالة تؤثر على الجوهر الانساني. فالمسؤولية الفردية تجاه القوانين سواء كانت إلهية أو انسانية ليست اختيارا شكليا، بل ضرورة حياتية لتفادي الانهيار الذاتي والاجتماعي. الهبوط من الجنة يذكر بأن المعصية تبدأ صغيرة لكنها قد تتحول الى سلسلة من العواقب الكارثية.

إذا انتقل هذا المفهوم الى مستوى الأرض، يتحول الظلم من فعل فردي الى قوة مدمرة تتغلغل في المجتمع: أكل حقوق الآخرين، تجاوز الحدود، وإلحاق الأذى بالمجتمع. هنا لا يكون الظلم مجرد قضية شخصية، بل ظاهرة اجتماعية مترابطة تهدد النسيج الاجتماعي باكمله. المجتمع الذي تغيب فيه العدالة وتغيب فيه مراقبة القوانين يصبح أرضا خصبة للفقر، الفساد، الجريمة، وانهيار الثقة بين الافراد والمؤسسات.

اختيار القرآن لكلمة «الظالمين» يحمل عظمة لغوية وفكرية؛ فهو يختصر كل ابعاد المعصية والاعتداء على الحق في مصطلح واحد. الظلم ليس مجرد خطأ أو فعل محدد، بل مفهوم شامل يعكس تجاوز الذات، وإلحاق الضرر بالآخرين، وتدمير منظومة القيم الاساسية. من هذا المنظور، يمكننا إعادة قراءة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي: كل من يسيء استغلال السلطة، ينهب الموارد، يكسر القوانين، أو يضغط على الآخرين بلا حق، يعيد إنتاج نموذج الظلم الاول في نسخته المعاصرة، مع تأثيرات أكبر وأعمق.

التاريخ البشري مليء بالأمثلة: حكومات فاسدة أكلت حقوق شعوبها، شركات كبرى اساءت استغلال الموارد، أفراد انتزعوا القوة والمال عبر الظلم والاستغلال. كل هذه الحالات امتداد مباشر للدرس الإلهي الذي يربط المعصية بالضرر الذاتي والاجتماعي. القارئ المعاصر قد يصدم حين يدرك أن كل تجاوز للحق هو بداية سلسلة لا تنتهي من الانهيارات.

قصة آدم بهذا المعنى، ليست مجرد حكاية عن بداية البشرية، بل خريطة أخلاقية وتحليلية لكل ظالم في التاريخ. الظلم مهما حاولت المجتمعات تبريره هو تجاوز للحدود وسقوط الانسان ليس مرتبطا بعصيان واحد، بل بسلسلة تراكمية من التجاوزات التي تهدد استقرار الافراد والمجتمعات. الهبوط من الجنة تذكير مزلزل بأن لكل فعل تجاوز للحق ثمن لا مفر منه.

الظالمون في حياتنا الواقعية ليسوا فقط أولئك الذين يأكلون حقوق الآخرين، بل كل من يغفل عن العدالة، يتجاهل القوانين، ويتجاوز حدود الانسانية. القرآن، في اختيار كلمة «الظالمين»، يقدم مرآة دقيقة وعميقة لمعنى المعصية والاعتداء على الحق في العالم الواقعي. قراءة هذه الدروس وتحليلها لا يقتصر على الفهم الديني، بل يمتد الى المحاسبة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، ليصبح كل تجاوز للحدود اختبارا لقدرة الانسان على الحفاظ على نفسه ومجتمعه.

الهبوط من الجنة ليس مجرد قصة رمزية؛ إنه تحذير عالمي مستمر لكل انسان، لكل كرسي سلطة، ولكل مجتمع ،الظلم يبدأ صغيرا، لكنه قادر على هدم كل شيء.

زهير عبدالله الشرمان











طباعة
  • المشاهدات: 8783
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
04-09-2025 10:25 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
كيف تقيم التعديل الوزاري الأخير الذي اجرته الحكومة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم