حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,7 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6169

ابتسامة العقرب تحت أضواء ويمبلي .. لحظة صنعت تاريخ هيجيتا

ابتسامة العقرب تحت أضواء ويمبلي .. لحظة صنعت تاريخ هيجيتا

ابتسامة العقرب تحت أضواء ويمبلي ..  لحظة صنعت تاريخ هيجيتا

06-09-2025 09:56 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - جاءت الفكرة إلى رينيه هيجيتا أثناء تصوير إعلان تلفزيوني لمشروب غازي مع مجموعة من الأطفال في كولومبيا. حيث قام أحدهم بمراوغة الكرة في الهواء قبل أن ينفذ ركلة مقصية باتجاه الحارس، الذي اندفع بشكل غريزي ليرمي ساقيه خلف ظهره ويبعد الكرة بطريقة غير مألوفة.

بعد عامين، وبعد أن جعل منها حركته الاستعراضية المفضلة في التدريبات والإحماءات، حانت اللحظة التي كتبت إرثه الكروي تحت أضواء ملعب ويمبلي الخافتة.

فقد أرسل لاعب وسط إنجلترا جيمي ريدناب تسديدة عشوائية ضعيفة باتجاه المرمى، لتتجه الكرة برتابة نحو الحارس الكولومبي المعروف بأسلوبه الاستعراضي. هيجيتا تركها تمر فوق رأسه، ثم اندفع للأمام ورشق كعبيه في الهواء مثل ذيل العقرب.

ويصف هيجيتا تلك اللحظة في فيلمه الوثائقي على نتفليكس "هيجيتا: طريقة العقرب" قائلاً: "كانت الكرة مثالية. فكرت.. لا مشكلة. خرجت بشكل مثالي".

ارتكز بيديه على الأرض لكسر سقوطه، فيما كانت أكمام قميصه الأزرق الفضفاض متدلية حتى منتصف ساعديه، وخصلات شعره الأسود الطويل تتطاير خلفه، قبل أن ينفجر بابتسامته الشهيرة فوراً بعد التنفيذ.

كان المعلق مارتن تايلر على شبكة "سكاي سبورتس" مساء السادس من أيلول (سبتمبر) 1995 مندهشا، إذ اعتقد في البداية أن الحكم أطلق صافرة الخطأ، خصوصا أن الحكم المساعد رفع رايته، لكن اللعب استمر.

يقول تايلر لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "كنت مشوشا. في الوقت الحقيقي لم يكن من الممكن أن يفعل أحد ذلك، لماذا قد يفعلها أصلا؟ كان الأمر أشبه بوجود سر غامض. لم يكن متوقعا على الإطلاق. لقد أربك جيمي ريدناب وخدعنا جميعا في منصة التعليق!"

على مقاعد البدلاء، ظهر بريان روبسون، عضو الجهاز الفني لمنتخب إنجلترا حينها، وهو يضحك غير مصدق لما جرى، فيما كان رد فعل الجماهير مشابها، رغم أن عدد الحضور لم يتجاوز 20 ألف متفرج في الملعب الوطني، خلال حقبة اتسمت بانخفاض الإقبال على المباريات الودية المسائية.

ويستذكر سايمون برايد، مقدم إذاعة "بي بي سي راديو نيوكاسل" والذي كان حاضرا في المدرجات: "ساد الصمت، إذ كان الجميع يحاول استيعاب ما حدث للتو، ثم فجأة انفجر الحضور بمزيج من الضحك العفوي والتصفيق".

أما المدافع الإنجليزي ستيف هاوي، الذي كان مكلفا من مدرب نيوكاسل كيفين كيجان بمراقبة المهاجم الكولومبي الذي يواجهه، فاوستينو أسبريا، فقد افترض أن الحكم أوقف اللعب.

وقال هاوي: "هيجيتا لم يكن شخصية يمكن الاعتماد عليها كثيرا، كان يخرج من منطقته ليراوغ المهاجمين وينضم للهجوم، كان مجنونا بحق. لذا لم يكن الأمر مفاجئا لشخص مثله. الجميع ظن أن الحكم أطلق الصافرة، لكننا اكتشفنا سريعاً أنه لم يفعل ذلك ولو دخلت الكرة المرمى لاحتُسب الهدف".

انتهت تلك الودية غير المثيرة بالتعادل السلبي، لكن هيجيتا ترك الجماهير تحاول تقليد تصدي العقرب المذهل في الحدائق وساحات اللعب في مختلف أنحاء البلاد.

ويضيف تايلر: "لقد كانت مجرد لمحة من جنون حارس واحد في لحظة محددة، جعلت المعلق يفرك عينيه من الدهشة. الأمر أشبه بقصة من كتاب مصور.. مثل أسطورة من قصص روي أوف ذا روفرز، شيء خيالي أقرب لأحلام الصغار".

ومع أن هذه كانت اللحظة الأبرز التي عرّفت العالم على هيجيتا، إلا أنها لم تكن سوى فصل آخر في قصة حارس استثنائي سجل 43 هدفاً في مسيرته، وألهم قانونا جديدا غيّر قوانين اللعبة، وعاد حديثا فقط لتمثيل منتخب كولومبيا بعد خروجه من السجن بسبب تورطه في عملية خطف مرتبطة بالعصابات.

في مونديال إيطاليا 1990، الذي شكّل أول مشاركة لكولومبيا في كأس العالم منذ 28 عاماً، كان المدرب ماتورانا يقود المنتخب، متبنيا نظام لعب مستوحى من "الكرة الشاملة" الهولندية، وهناك وجد رينيه هيجيتا مسرحاً عالميا لتألقه.

يقول خبير كرة القدم في أميركا الجنوبية، تيم فيكري، في حديثه لـ"بي بي سي سبورت" عند اعتزال هيجيتا: "لقد كان رائدا فيما يتعلق بمهارته في التعامل مع الكرة بقدميه، وفي استعداده لتحمل المسؤولية على بُعد 40 متراً من مرماه".

بعد فوز افتتاحي على منتخب الإمارات، تصدى الحارس البالغ طوله 1.75 م لركلة جزاء في الخسارة 1-0 أمام يوغوسلافيا، ثم قدّم أفضل عروضه المتمردة في التعادل المثير مع ألمانيا الغربية، حيث كان يخرج لقطع الكرات برأسه خارج منطقة الجزاء، بل ورفع الكرة بمراوغة مذهلة فوق يورجن كلينسمان مستخدما يده.

وجاء عنوان إحدى الصحف الوطنية حينها: "الكل من أجل واحد، وهيجيتا من أجل الجميع"، معبّراً عن الحالة الجماهيرية، بعدما بلغ المنتخب الكولومبي دور الـ16 للمرة الأولى في تاريخه.

لكن في مواجهة الكاميرون، انقلبت جرأة هيجيتا الهجومية ضده. فبعد أن سجل روجيه ميلا هدف التقدم في الوقت الإضافي، تلقى الحارس تمريرة صعبة، ارتكب خلالها لمسة غير متقنة، فانقض المهاجم الكاميروني على الكرة وسجل الهدف الثاني القاتل.

يقول هيجيتا لاحقا بأسى: "كنت على وشك أن أصبح أيقونة حتى جاء ميلا". ومع ذلك، فقد استُقبل هو وزملاؤه استقبال الأبطال عند عودتهم إلى البلاد. وعند هبوط الطائرة، خاطب هيجيتا الأمة قائلا: "نعم، ارتكبت خطأً. وكما أتقبل المديح، فإنني أتقبل النقد".

وحتى تطبيق قاعدة "منع إعادة الكرة للحارس" في أولمبياد برشلونة 1992، كان مسموحا لحراس المرمى التقاط الكرة بأيديهم بعد تمريرها من زميل لهم.

ويعتقد هيجيتا أن أسلوبه، الذي أثبت أن الحراس قادرون على اللعب بمهارة بأقدامهم، كان عاملا أساسيا دفع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لتغيير القانون إلى جانب أن مونديال 1990 شهد أدنى معدل أهداف في تاريخ البطولة بواقع 2.2 هدف في المباراة الواحدة.

سرعان ما عُرفت القاعدة عالمياً باسم "قاعدة هيجيتا".

ويقول الحارس الكولومبي: "أساطير كرة القدم مثل بيليه ودييجو مارادونا كانوا لاعبين عظماء، لكنهم لم يغيروا أي قوانين في الفيفا".

ومع ذلك، لم يحصل هيجيتا على فرصة لخوض تجربة أخرى في كأس العالم.

فقد كان هيجيتا أيقونة كولومبية، إلى جانب كارلوس فالديراما، أحد أبرز الوجوه المعروفة للمنتخب الوطني، لكنه كان أيضاً هدفا سهلا.

فبعد عام من المونديال، ومع اشتداد الحرب على المخدرات، سلّم بابلو إسكوبار نفسه للسلطات، وتم إيداعه في سجنه "الخاص" المسمى "لا كاتدرال".

كان العديد من لاعبي كرة القدم يزورونه، وغالباً بدعوات للمشاركة في مباريات ودية، دعوات لا يمكن رفضها. لكن قلة فقط كانوا بمثل شهرة هيجيتا.

وفي أحد المرات، أوقفه مراسلو التلفزيون خارج السجن الواقع على جبل قرب ميديين، وسألوه إن كان صديقا لإسكوبار، فأجاب الحارس مثيراً للجدل بأنه كذلك.

وعندما فرّ إسكوبار لاحقاً، تعرض معارفه المقربون لضغوط للمساعدة في تعقب مكانه، ليجد هيجيتا نفسه يدفع ثمنا باهظا بسبب ارتباطه العلني بأخطر مجرمي كولومبيا.

فقد وجد الحارس نفسه وسط صراع بين الكارتلات، عقب اختطاف ابنة المراهقة لكارلوس مولينا، أحد خصوم إسكوبار. وكان الرجلان قد استثمرا أموالاً في كرة القدم الكولومبية. يقول هيغيتا إنه استُدعي كوسيط لتسليم فدية مالية وإعادة الفتاة إلى أسرتها.

أصرّت العائلة على منحه مكافأة مالية مقابل دوره، لكن بقبوله ذلك كان قد انتهك قوانين صارمة ضد الاختطاف. فتم سجنه سبعة أشهر، حيث يؤكد أنه استُجوب أكثر عن مكان إسكوبار من قضيته نفسها.

وبعد مقتل إسكوبار في كانون الأول (ديسمبر) 1993، أُطلق سراح هيجيتا دون توجيه أي تهمة له.

وقال لاحقا للفيفا: "تصرفت بدافع إنساني. ولو طُلب مني مرة أخرى التدخل لتحرير شخص ما، لفعلت ذلك دون تردد. أنا لاعب كرة قدم، ولم أكن أعلم شيئا عن قوانين الاختطاف".

كان لاعبو المنتخب الكولومبي قد واصلوا حملات للمطالبة بالإفراج عنه، وهتفوا باسمه عقب الفوز التاريخي 5-0 على الأرجنتين في بوينس آيرس للتأهل إلى مونديال 1994. لكن هيجيتا لم يُعد لائقاً بدنيا للانضمام إلى التشكيلة التي سافرت إلى الولايات المتحدة.

عاد بصعوبة إلى صفوف المنتخب في كوبا أميركا قبل أشهر قليلة من تلك الليلة الشهيرة في ويمبلي، إلا أن هيجيتا اعترف بأنه خشي أن تكون حركته الاستعراضية قد أنهت فرصه، وقال: "دائماً ما يصفونني بالمهرج، وها أنا أثبت لهم أنهم على حق".

وربما كان كذلك. فقد لعب ست مباريات أخرى فقط مع كولومبيا قبل أن يعتزل اللعب الدولي العام 1999، أو ربما كان منتخب بلاده قد بدأ بالفعل صفحة جديدة بدونه.

لكن، حتى بعد أن علق قفازاته، ظلّت أسطورة الحارس الهداف، الاستعراضي، صاحب حركة "العقرب" الخالدة، حية في ذاكرة كرة القدم.








طباعة
  • المشاهدات: 6169
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
06-09-2025 09:56 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم