حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,6 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 11060

تهاني روحي تكتب: سنة أولى طلاق

تهاني روحي تكتب: سنة أولى طلاق

تهاني روحي تكتب: سنة أولى طلاق

04-09-2025 08:21 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : تهاني روحي
ما أن تنتهي الزفة ويُغلق الباب على الزوجين حتى تبدأ الرحلة الحقيقية، رحلة اكتشاف الآخر بعيداً عن الصور المثالية التي تراكمت في فترة الخطوبة. في الأردن تكشف الأرقام أن ما يقارب 47 % من حالات الطلاق تحدث في السنة الأولى من الزواج، فيما تسجّل أعلى النسب حتى قبل الدخول. هذه الأرقام الصادمة تفتح باب التساؤلات حول أسباب فشل الكثير من العلاقات في بدايتها، وما الذي يجعل الأسرة في عصرنا أكثر هشاشة، بينما يُفترض أن تكون حجر الزاوية للاستقرار الاجتماعي.


فالأسرة ليست مجرد عقد يوثق ارتباط شخصين، بل هي بنية أساسية يتربى فيها الفرد ويكتسب قيم التعاون والمسؤولية والانفتاح على الآخر. وهي المدرسة الأولى للحياة. وحين يغيب هذا الوعي يتحول الزواج إلى تجربة عاطفية قصيرة المدى سرعان ما تنهار أمام أول اختبار. ومن أبرز أسباب الطلاق المبكر أن توقعات الطرفين غالباً ما تكون مبالغاً فيها. ولأن فترة الخطوبة تُظهر أجمل ما في الشخصين بينما تُخفي الطباع اليومية والعادات الحقيقية، ومع مرور الأيام تتكشف الفروقات ليجد الطرفان نفسيهما في صراع بين الواقع والصورة الذهنية التي رسماها لبعضهما. غير أن التوقعات المبالغ فيها تُضيف طبقة أخرى من التعقيد كما تؤكد الدكتورة رُلى خلف، مديرة مركز حكيم للاستشارات النفسية والزوجية، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تضاعف المشكلة، إذ تقدّم نماذج مثالية عن «الحب والزواج»، فيقارن الزوجان حياتهما بما يشاهدانه على الشاشة فتتسع الفجوة بين الممكن والمرغوب. وتضيف أن معظم مراجعيها يعترفون بأن توقعاتهم خابت مقارنة بما يشاهدونه من قصص «الزواج المثالي» على هذه الوسائل.
مع أن العائلة الممتدة يُفترض أن تكون داعماً للزوجين، فإنها تتحول أحياناً إلى عبء إضافي. ففي مقابلة للبودكاست أوضحت د. خلف أن تدخّل الأهل في القرارات اليومية يشكل أحد أبرز مصادر التوتر في السنة الأولى. فالزوجان، وهما في طور بناء تجربتهما الخاصة، يجدان نفسيهما في مواجهة نصائح متناقضة أو مقارنات مرهقة. لذلك يلجأ بعض الأزواج إلى إخفاء خلافاتهم عن أسرهم، إدراكاً منهم أن التدخل قد يضاعف المشكلة بدلاً من حلها.
وإذا تجاوزنا العائلة الممتدة، نجد أن التحدي الأكبر يكمن في إعادة توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة. فما كان مقبولاً في الماضي لم يعد مناسباً لعصرنا. اليوم، المرأة شريك كامل في القرار والعمل، والرجل شريك كامل في التربية والدعم النفسي. تجاهل هذه الحقيقة يُدخل العلاقة في دوامة اختلال: الزوجة مثقلة بالمسؤوليات وحدها، والزوج متوجس من فقدان مكانته إذا شاركها مهام البيت. إن التوازن في الأدوار لم يعد ترفاً، بل أصبح شرطاً أساسياً لصمود أي علاقة زوجية.
ولعل السنة الأولى من الزواج أشبه بامتحان تجريبي يختبر فيه الطرفان صبرهما ومرونتهما وقدرتهما على التكيف. من الطبيعي أن تحدث خلافات، لكن غير الطبيعي أن تُفسر كل مشكلة على أنها نهاية الطريق. فالرسائل الاجتماعية الحديثة تؤكد أن العلاقة الناجحة تقوم على المشورة المستمرة والمراجعة والتعلّم من الأخطاء، وأن الشراكة الحقيقية تعني أن يتقاسم الزوجان الأعباء والقرارات وينظرا إلى مشاكلهما كمسؤولية مشتركة لا كاتهام متبادل.
الطلاق في سنة أولى زواج لم يعد استثناءً بل أصبح ظاهرة اجتماعية تستدعي وقفة جادة. المطلوب ليس جلد الذات ولا التمسك بتقاليد لم تعد مناسبة، بل بناء ثقافة جديدة للزواج قائمة على الوعي المسبق بأن الزواج التزام طويل الأمد لا مجرد حفلة ومهر وزفة. إلا أن الوصمة وثقافة العيب في استشارة المختصين لا تزال مهيمنة على مجتمعنا، كما تقول د. خلف، مشيرة إلى أن كثيراً من الأزواج يأتون إلى مركزها على استحياء، وأحياناً تخفي الزوجة حاجتها إلى الدعم النفسي خشية نظرة المجتمع، بينما أثبتت التجارب أن تلقي المهارات والإرشاد يمكن أن يقطع أشواطاً طويلة نحو استمرارية العلاقة.
في النهاية تبقى الأسرة في جوهرها مؤسسة تربوية قبل أن تكون علاقة شخصية. فإذا أدرك الزوجان منذ البداية أن زواجهما نواة لمجتمع صغير يتطلب الصبر والتعاون والعدل، فإن احتمالية الانفصال تتراجع بشكل كبير. أما حين يُترك الأمر للتوقعات الحالمة والضغوط الخارجية، فإن السنة الأولى تتحول إلى ساحة اختبار قاسٍ غالباً ما ينتهي بالانفصال. والتحدي الأكبر اليوم هو أن نعيد صياغة مفهوم العائلة بما يلبي احتياجات عصرنا: عائلة تقوم على المودة والمسؤولية المشتركة والقدرة على مواجهة العواصف معاً، عندها فقط تصبح سنة أولى زواج بداية رحلة لا محطة للانهيار.











طباعة
  • المشاهدات: 11060
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
04-09-2025 08:21 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
كيف تقيم التعديل الوزاري الأخير الذي اجرته الحكومة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم