02-09-2025 10:41 AM
بقلم : الأب عماد الطوال
منذ عقودٍ طويلة يُثار النقاش في الأوساط الأكاديمية والعملية حول العلاقة بين القيادة والإدارة وحول أيّهما الأهم في مسيرة المؤسسات، ورغم أنّ كثيرين يخلطون بين المصطلحين إلا أن التدقيق يكشف أنّ القيادة والإدارة ليستا وجهين لعملة واحدةبل جناحين لا يمكن لأي مؤسسة أن تحلّق بدونهما.
الإدارة في جوهرها هي الأداة التي تحفظ النظام وتضمن الاستقرار، المدير يضع الخطط ويوزع الموارد ويراقب التنفيذ ويقيس النتائج، إنها عملية قائمة على المنطق والأنظمة هدفها الأول ضمان الكفاءة والالتزام وبغياب الإدارة تتحول المؤسسة إلى كيان مضطرب تفتقد الانضباط وتنهار تحت وطأة العشوائية.
لكن القيادة تأتي لتمنح هذا الكيان الروح والمعنى، القائد لا يكتفي برسم الجداول الزمنية أو ضبط الإجراءات بل يذهب أبعد من ذلك فيخلق رؤية تستشرف المستقبل ويبني ثقافة مؤسسية قائمة على الثقة والإلهام، القيادة تعني القدرة على التأثير في الناس لا بمجرد السلطة بل بالقيم وبالقدرة على بث الحافز الداخلي الذي يدفع الأفراد لتجاوز ما هو مطلوب إلى ما هو ممكن.
وإذا أردنا تبسيط الفروق الجوهرية يمكن القول إن الإدارة تركز على الأنظمة بينما القيادة تركز على الناس، الإدارة تُعنى بالحاضر أما القيادة فتنظر إلى المستقبل، المدير يحافظ على ما هو قائم بينما القائد يسعى إلى إحداث التغيير، الإدارة تحتاج إلى دقة وضبط والقيادة تحتاج إلى رؤية وإلهام. يقول بيتر دراكر "الإدارة تفعل الأشياء بشكل صحيح، بينما القيادة تفعل الأشياء الصحيحة." لكن السؤال الأهم هل يمكن أن نغلب أحدهما على الآخر؟ الحقيقة أن المفاضلة هنا مضللة، فالإدارة بلا قيادة تتحول إلى بيروقراطية ميّتة، والقيادة بلا إدارة تتحول إلى فوضى مفعمة بالشعارات غير القابلة للتنفيذ، المؤسسات الناجحة هي تلك التي تمزج بين الاثنين بذكاء فتجد قائدًا يُلهم ويحفّز لكنه في الوقت ذاته مدير قادر على تنظيم الموارد وضبط العمليات.
لقد أثبتت التجارب أن الأزمات الكبرى سواء في قطاع الأعمال أو في القطاع العام تفضح غياب هذا التوازن، حين تشتد التحديات تحتاج المؤسسات إلى قيادة شجاعة تستنهض الهمم وتفتح آفاقًا جديدة لكنها أيضًا تحتاج إلى إدارة صلبة تترجم الرؤية إلى خطط قابلة للتنفيذ، وبالعكس، فالمؤسسات التي تكتفي بالإدارة فقط قد تصمد لبعض الوقت لكنها سرعان ما تتراجع أمام متطلبات التغيير المتسارع.
يقول جون كوتر "الإدارة تتعامل مع التعقيد، أما القيادة فتتعامل مع التغيير" في النهاية ليس السؤال من الأهم القيادة أم الإدارة؟ بل كيف نصنع مزيجًا متناغمًا منهما؟ فالنجاح الحقيقي يكمن في عقل إداري منظم يضبط الحاضر وقلب قيادي نابض يقود نحو المستقبل، وعندما يلتقي النظام بالإلهام تتحول المؤسسات من مجرد كيانات تعمل إلى كيانات تصنع أثرًا وتترك بصمة لا تُنسى.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-09-2025 10:41 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |