حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,1 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5273

د. حمزه العكاليك يكتب: من يضبط الترند؟ حين يصبح التأثير سلاحًا بلا ضوابط

د. حمزه العكاليك يكتب: من يضبط الترند؟ حين يصبح التأثير سلاحًا بلا ضوابط

د. حمزه العكاليك يكتب: من يضبط الترند؟ حين يصبح التأثير سلاحًا بلا ضوابط

31-07-2025 02:10 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. حمزه العكاليك
في زمن أصبحت فيه الشاشات النافذة الأوسع إلى العقول والقلوب، بات منشور واحد على وسائل التواصل الاجتماعي كفيلًا بإثارة جدل وطني، أو حتى تقويض سمعة شخص، أو إشعال قضايا حساسة تمس النسيج الاجتماعي. هذا النفوذ المتنامي للمؤثرين في الأردن يطرح اليوم تساؤلات بمن يحدد مسؤولياتهم؟ ومن يحمي المجتمع من "الترند" حين يتحول إلى سلاح بلا ضوابط؟ وما هي الضمانات التي تحمي المجتمع في ظل إطار قانوني لم يتكيف بعد مع سرعة الثورة الرقمية؟
تبدو المشكلة أكثر وضوحًا حين نتأمل واقعًا يفتقر إلى أطر قانونية حديثة تنظم دور المؤثرين، رغم تحولهم إلى فاعلين بنسبة معينه في تشكيل الوعي العام، وتوجيه النقاشات الوطنية. فبينما تنظم القوانين الأردنية عمل الصحفيين ووسائل الإعلام التقليدية، نجد أن المؤثرين الرقميين – رغم امتلاك بعضهم مئات الآلاف من المتابعين – لا يخضعون لأي تصنيف قانوني محدد. هذا الغموض لا يخلق فقط حالة من الفوضى التنظيمية، بل يمنح بعض المؤثرين إحساسًا زائفًا بأنهم فوق القانون، وأن شعبيتهم الرقمية تُحصّنهم من المساءلة، مهما تجاوزوا أو نشروا من معلومات مغلوطة أو تحريضية.
واقعة حديثة سلطت الضوء على هذه الإشكالية حين تم استدعاء أحد المؤثرين من قبل الأجهزة الأمنية، على خلفية شكوى إلكترونية قدمها ضده أحد الأفراد نتيجة خلاف شخصي. ورغم أن الجهات الرسمية أوضحت أن القضية لا علاقة لها بمحتوى سياسي أو تضامني مع فلسطين، سرعان ما اجتاحت مواقع التواصل حملة من التفسيرات غير الدقيقة، تزعم أن سبب الاستدعاء يعود إلى نشر المؤثر لمقطع تضامني مع غزة. المفارقة أن العديد من المؤثرين الآخرين نشروا محتوى مشابهًا دون أن يتعرضوا لأي إجراءات قانونية، لكن بعض المتابعين – مستندين إلى تأويلات المؤثر نفسه – أصروا على تجاهل الرواية الرسمية. هذا المشهد كشف عن ميل بعض المؤثرين إلى توظيف عدد متابعيهم لحشد التعاطف وحصد الاعجاب، وتوجيه الرأي العام بشكل منفلت، وترويج سرديات تتجاهل السياق القانوني الحقيقي للأحداث.
في غياب تعريف قانوني واضح للمؤثر، تتحول المنصات الاجتماعية إلى ساحة رمادية، يختلط فيها الرأي الشخصي بالتأثير الجماهيري، دون ضوابط أو معايير. فالحسابات التي يتجاوز عدد متابعيها عشرات الآلاف لا تختلف من حيث التأثير عن المنصات الإعلامية الكبرى، إلا أنها لا تخضع لنفس الالتزامات المهنية أو الأخلاقية، ولا حتى للمساءلة الصحفية. وفي دول مثل مصر، لجأت السلطات إلى وضع معايير رقمية، مثل تجاوز 5 آلاف متابع، كشرط لاعتبار الحساب وسيلة إعلامية خاضعة للتنظيم. أما في الأردن، فلا توجد آلية قانونية مماثلة، ما يُبقي الواقع القانوني في حالة ارتباك، ويفتح المجال أمام إساءة استخدام التأثير دون رقابة أو مساءلة.
المشكلة لا تقتصر على غياب الرقابة، بل تمتد إلى غياب الحماية أيضًا. فالمؤثرون، على عكس الصحفيين، لا يتمتعون بأي غطاء نقابي أو مهني يحدد حقوقهم ويدافع عنهم في حال تعرضهم لأي مساءلة أو إساءة استخدام قانوني. هذا الفراغ المزدوج – غياب الرقابة وغياب الحماية – يخلق بيئة مشوشة لا تضمن لا للمجتمع حقه في محتوى مسؤول، ولا للمؤثرين أنفسهم حقهم في الوضوح القانوني.
ويزداد الوضع تعقيدًا مع بروز أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي باتت تتيح لأي شخص إنتاج محتوى يبدو حقيقيًا بشكل مخادع، بما في ذلك فيديوهات مفبركة (Deepfakes) وأخبار مزيفة تنتشر كالنار في الهشيم. دون إطار تشريعي يحكم هذه الأدوات، قد يتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة تضليل ممنهج، خاصة عندما تُستخدم هذه التقنيات من قبل مؤثرين لديهم قاعدة جماهيرية ضخمة، ويغيب عنهم الوعي الإعلامي أو المسؤولية القانونية.
كل ذلك يستدعي بناء نهج وطني تشريعي متكامل، يوازن بين حماية حرية التعبير وضمان الأمن الرقمي والاجتماعي. على هذا النهج أن يبدأ بتعريف واضح للمؤثرين وفق معايير شفافة تأخذ بعين الاعتبار عدد المتابعين، طبيعة المحتوى، ومستوى التفاعل والتأثير. ويجب أن يتضمن إطارًا قانونيًا يُلزم المؤثرين بالتعامل المسؤول مع البيانات الشخصية التي يحصلون عليها، ويمنع إساءة استخدامها لأغراض تجارية أو دعائية أو تضليلية. كما ينبغي أن يتضمن قواعد أخلاقية صارمة لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى، من بينها ضرورة الإفصاح الصريح عن أي محتوى منشأ أو معدّل بواسطة الذكاء الاصطناعي.
إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون صلاحيات الجهات الرقابية محددة وواضحة، تستند إلى القانون لا إلى الاجتهاد الشخصي، وتخضع للمراجعة القضائية الفعالة لضمان عدم تعسف السلطة في استخدامها. في المقابل، يجب أن يتم رفع الوعي الرقمي والقانوني لدى المؤثرين، عبر حملات توعوية وبرامج تدريبية، تتيح لهم فهم حقوقهم وواجباتهم، وتزودهم بالمهارات التي تُمكّنهم من صناعة محتوى مسؤول ومؤثر في آن.
من المهم أيضًا بناء جسور تعاون واضحة مع منصات التواصل الاجتماعي العالمية، تتيح للدولة الأردنية فرض التزامات قانونية على هذه المنصات دون المساس بحرية التعبير أو فرض رقابة غير مبررة على المستخدمين.
في النهاية، لم يعد المؤثرون مجرد شخصيات رقمية يتابعها الجمهور بدافع الترفيه أو الفضول، بل أصبحوا شركاء حقيقيين في تشكيل المزاج العام وصناعة التأثير. وبالتالي، فإن تجاهل دورهم أو الاستمرار في التعامل معهم خارج الإطار القانوني سيترك المجتمع مكشوفًا أمام فوضى رقمية متنامية.
لقد آن الأوان لأن نبني في الأردن بيئة رقمية ناضجة، تحترم الحقوق، وتضبط المسؤوليات، وتُحصّن الفضاء العام من العبث. فالمؤثرون ليسوا فوق القانون، لكنهم أيضًا ليسوا خارجه. وبين هذا وذاك، يكمن مستقبلنا الرقمي.











طباعة
  • المشاهدات: 5273
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
31-07-2025 02:10 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم