28-07-2025 04:17 PM
بقلم : د.م. أمجد عودة الشباطات
استوقفتني جملة وردت في كتاب جلالة الملك عبدالله الثاني “فرصتنا الأخيرة: السعي نحو السلام في زمن الخطر”. يقول فيها جلالته:
“رغم الإصلاح الاقتصادي، أعترف بأن الإصلاح السياسي في المملكة خلال العقد الماضي كان أحيانًا خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء. بعض المسؤولين قاوموا التغيير خوفًا من فقدان امتيازات طالما تمتعوا بها، وآخرون ببساطة افتقروا إلى الخيال. بعضهم لم يمتلك الشجاعة للمضي قدمًا في التغييرات الصعبة.”
هذا التوصيف لا يحمل فقط اعترافًا بواقع سابق، بل ما زال يعكس صورة دقيقة عن واقع الإدارة العامة في الأردن حتى اللحظة. فالخطط ازدادت، والعناوين تضخمت، لكن الأداء لم يتغير جوهريًا.
بل إن المشهد أصبح أكثر تشابكًا وتعقيدًا، لأننا أصبحنا نُطلق خططًا استراتيجية كبرى، ونتحدث عن تحديث القطاع العام، وعن رؤية اقتصادية ممتدة حتى عام 2033، دون أن نمتلك — فعليًا — المعرفة العلمية بمنهجيات إدارة التغيير.
والسؤال المشروع هنا: هل يعرف دولة رئيس الوزراء، أو الفريق الوزاري، ما هي المنهجية العلمية التي يُفترض اتباعها لإدارة التغيير؟ وهل يعرفون ما هي أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال؟ وإن كنا نعرف، فلماذا لا نُعلنها؟ وإن لم نكن نعرف، فبأي أدوات نُدير هذا التحول؟
في الأنظمة الجادة، لا يُترك التغيير رهينة للنية أو الانطباع، بل يُبنى على أسس معرفية واضحة، تبدأ بسؤال “ما هي المنهجية؟” لا باعتباره عنوانًا بل إطارًا تطبيقيًا يقيس الواقع ويقود التحول.
إدارة التغيير ليست خطوة شكلية بل منظومة تنفيذية متكاملة، تبدأ بفهم الواقع من خلال مؤشرات قابلة للقياس، ثم بتحديد الفجوة بين الواقع والرؤية المستقبلية، يليها تصميم خارطة طريق واضحة بمراحل زمنية، ومؤشرات أداء، ومساءلة جادة. كل ذلك لا يتم دون إشراك حقيقي للمجتمع، ولا يكتمل دون الاستعانة بتكنوقراط وخبراء يمتلكون الكفاءة الفنية والإدارية لوضع النماذج، وتكييف المنهجيات العالمية مع السياق الوطني، وضمان أن يُدار التحول بكفاءة معرفية لا بمزاج سياسي أو بيروقراطي. إن حوكمة التغيير تتطلب عقلًا علميًا بقدر ما تتطلب إرادة سياسية، وتستلزم أن يُقاد التحديث من قبل من يفهمه، لا من يروّج له فقط.
أما ما يحدث لدينا، فهو إعادة إنتاج مستمرة للأدوات ذاتها. نُعيد طرح العناوين، ولا نراجع أثرها. المواطن لا يشعر بتحسن حقيقي، والمؤشرات التنموية لا تتحرك فعليًا. المديونية تتضخم، والبطالة مستقرة في مستوياتها المرتفعة، وثقة الناس بالخطاب الرسمي تضعف مع كل إعلان لا يتبعه تغيير ملموس.
وما ورد في الكتاب لم يكن توصيفًا أدبيًا، بل تشخيصًا دقيقًا لغياب القدرة على تصور ما هو مختلف. نحن بحاجة إلى تفكير جديد، غير تقليدي، لا يُكرر القديم في ثوب حديث، بل يصوغ حلولًا تتناسب مع تعقيد الواقع.
أما الشجاعة في التغييرات الصعبة، فهي ليست خيارًا بل ضرورة. من يتولى المسؤولية التنفيذية عليه أن يدرك أن التغيير الجذري لا يتحقق بإعادة ترتيب الأولويات داخل الإطار القديم، بل بكسر الإطار ذاته وإعادة بنائه على أسس حديثة. كل رئيس وزراء يتطلع لقيادة مرحلة تحول، يجب أن يقود ثورة إدارية حقيقية، لا أن يُدير إدارة تقليدية بلغة جديدة.
نحن لا نحتاج إلى من يشرح التحديات، بل إلى من يتصدى لها برؤية جديدة، ومنهجية واضحة، وأدوات قابلة للتنفيذ. نحتاج إلى دولة تُدار بنتائج لا بإجراءات، وبمؤشرات لا بتوقعات، وبأثر لا بخطط جامدة.
وما لم تُعاد صياغة العقل الإداري للدولة على أسس معرفية حديثة، تتجاوز البيروقراطية وتكسر التقاليد الخاملة في التفكير، وما لم نُحرر القرار التنفيذي من عقلية التردد والمجاملة، ونُعيد تشكيل البيئة الحاضنة للتغيير من جذورها، فإننا سنبقى نُنتج الفشل نفسه بأسماء جديدة، ونُهدر الفرص في متاهة الشعارات، ونُدير ما يُسمى بالتحديث كما لو كان تمرينًا لغويًا لا مشروعًا وطنيًا حقيقيًا.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-07-2025 04:17 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |