29-06-2025 10:55 AM
بقلم : د. فراس حمدان الحسبان
كالعادة وفي كل عام، ينتظر طلبة الثانوية العامة واهاليهم امتحاناتهم المصيرية بكثير من القلق، لكن ما حصل هذا العام في امتحان الرياضيات للفرع العلمي تجاوز حدود القلق إلى حالة من الصدمة والإحباط، ليس فقط للطلبة، بل للأهالي والمعلمين وحتى الشارع الأردني بأكمله ومكمن هذه الصدمة ان امتحان هذا العام سيكون النسخة الأخيرة للنظام الحالي وكان المتوقع في أسوأ الحالات ان يكوم موازيا للسنوات الأخيرة في صعوبته.
هذا العام شكّل هذا الامتحان علامة فارقة وعجيبه ، لكنه لم يكن علامة على جودة التعليم أو تطوره، بل على فشل واضح ومؤسف في التخطيط والتنفيذ من قبل القائمين على إدارة الامتحانات العامة .
امتحان خارج التوقعات.. ومن خارج المنهج؟
كانت المفاجأة الاولى للطلاب مستوى الأسئلة، التي وُصفت بأنها تعجيزية، وغير متناسبة مع الوقت المخصص، ولا مع طبيعة المادة الدراسية، بل تجاوز بعضها ما هو متوقع بل واعلى من هو في مستوى الجامعات.
المفاجأة الثانية لم تكن فقط من صعوبة الأسئلة، بل من غموض بعضها وعدم وضوح المطلوب وعدم وصول الطالب بعد غرقه في الاجابه واستنزافه للوقت الى نتيجة ضمن الاختيارات الموضوعه للإجابة من قبل معدي الامتحان ، ما أثار تساؤلات جدية حول الجهة التي أعدّت الامتحان وآلية مراجعته ومطابقته للمنهاج الرسمي.
وزارة التربية والتعليم.. أين المسؤولية؟
الغريب أن المسؤولين عن إدارة الامتحانات خرجوا للتبرر، كعادتهم، والقاء اللوم على الطلبة، متناسية أن امتحان التوجيهي ليس ساحة لقياس العبقرية، بل وسيلة لتقييم التحصيل العلمي بناءً على ما تم تدريسه فعليًا.
الوزارة فشلت في تقدير حجم الضغط النفسي على الطلاب، وفشلت أكثر في الوفاء بوعدها بتقديم امتحانات “عادلة ومتوازنة”، كما صرح مسؤولوها مرارًا وتكرارا في كل عام .
هل ما حدث مجرد “سقطة”.. أم سياسة ممنهجة؟
هنا يبرز تساؤل لا يمكن تجاهله:
هل ما حصل في امتحان الرياضيات مجرد سقطة من سقطات القائمين على إدارة الامتحانات، أم أن هناك ما هو أعمق من ذلك؟
هل هي سياسة ممنهجه لزرع الرعب في نفوس طلبة الأعوام القادمة، وترسيخ فكرة أن مادة الرياضيات صعبة ومعقدة، بحيث يتحول تركيز الطالب إلى المواد الأخرى ويُهمّش هذا الركن الحيوي من أركان التعليم؟ خصوصا ان هناك كلام ولا اعلم مدى دقته بأن هناك توجه ان تكون مادة الرياضيات في الأعوام القادمة مادة ثانوية وليست اساسيه .
إذا صح هذا الاتجاه – ولو بشكل غير مباشر – فإننا أمام هدم متعمد أو غير واعٍ لأساس من أسس بناء العقول، فمادة الرياضيات، ومعها علوم الحاسوب، تمثل العمود الفقري للعلوم المستقبلية، من الذكاء الاصطناعي إلى تحليل البيانات والهندسة والطب والاقتصاد.
تخويف الطلبة من الرياضيات أو دفعهم للتقليل من شأنها يعني بالضرورة إضعاف قدرة الأجيال القادمة على المنافسة في عالم لا يعترف إلا بالعلم والمعرفة الدقيقة.
انعكاسات خطيرة
ما حدث ليس مجرد “يوم سيئ” في جدول الامتحانات، بل ضرب ثقة الطالب والأهل في منظومة التعليم ككل. حالات الانهيار، البكاء، والاحتجاجات أمام القاعات ليست مشاهد فردية، بل تعبير عن فشل مؤسسي في التعامل مع أبسط واجبات الوزارة: امتحان منصف، واضح، ومعياري.
الخطورة لا تكمن في امتحان واحد، بل في الرسائل التي يحملها، والتأثير النفسي الذي يزرعه، والاتجاهات التي يغرسها في وعي الطلبة والمجتمع على المدى الطويل.
إلى أين نذهب؟
لا نطالب بمعجزات، بل فقط بأن تُعاد الثقة في امتحان الثانوية العامة، وأن تتحمل الوزارة مسؤوليتها كاملة. نحتاج إلى شفافية في التحقيق، ومراجعة شاملة للمناهج، ولجان الامتحانات، وآلية التقييم.
إنّ الاعتراف بالخطأ هو أول الطريق للإصلاح، وأما التبرير والإنكار، فلن يزيد الوضع إلا سوءًا
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-06-2025 10:55 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |