بقلم :

 دهو إذاً نوع جديد من قصف العقول والتلاعب والاستخفاف بها.. كيف لا وموظف وربما موظفة.. مستشار وربما مستشارة.. في أحدى مؤسساتنا الكبرى يحصل على مبلغٍ بخسٍ قدره أربعة عشر ألف دينار كبدل مصروفات ونثريات لقاء مجهوداته الفائقة لترويج وجلب الاستثمارات من فرنسا.. أليس من واجبنا دعوة الوزراء ورئيس حكومتنا المقدّر للبحث عن التعيين في هذه المؤسسة التي تصرف نثريات لموظفيها ( الكبار) طبعاً ما تفوق فيه رواتب آلاف الموظفين ممن يحملون أعلى الدرجات ولهم خدمة وظيفية عشرات السنين، بحيث أن هذه النثريات تضاهي ما يتقاضاه أحدهم من رواتب لسنواتٍ طوال.. مصروفات ونثريات.. المعضلة أن المصادفة جمعتني مع أحد الزملاء الذي كان في دورة تدريبية في ألمانيا لمدة ثلاثة أشهر، حيث ذكر لي حجم المعاناة بسبب غلاء الأسعار هناك، وعدم توفّر السيولة المادية للدرجة التي جعلته يحسب عدد السجائر عندما يشرع بتدخين سيجارة، وذلك لأنه يعلم بأن علبة السجائر ستكلفه ما يقارب الخمسة دنانير أردني، كما أن رغيف الخبز متناهي الصغر يكلف ما قيمته دينار أردني.. بالمناسبة فإن صديقي في موقع إداري مرموق بمستوى مدير مديرية، وله خدمة جيدة، وهو في الدرجات الوظيفية المتقدمة، وبعيداً عن تفاصيل المعاناة التي مرّ بها صديقنا أثناء الدورة، فقد عاد إلى الوطن مفتقداً لمعظم الحاجات الأساسية، بل يقول أنه بعد عودته حدث له شيء من الرغبة والنهم في الإشباع من كلّ شيءٍ شعر بالحرمان منه في ألمانيا.. ويتابع بالقول أنه عندما أراد الحصول على ( بدل النفقات والبعثات) فقد طلب منه المدير المالي دفع مبلغ خمس وعشرون ديناراً من أجل تسوية أوضاعه المالية مع المؤسسة، بحيث يخرج معها ( راس براس).. فأراد أن يستوضح عن مكافآته عن الدورة، خاصةً وأن مدتها طويلة، وكان يتوقع الحصول على مبلغ يغطي المعاناة التي عاشها في الدورة.. فما كان من المدير المالي إلا أن أوضح له بأن تعليمات بدلات السفر والانتقال والبعثات تنصّ بحصول الموظف الموفد على نسبة متدنية من المياومات إذا زادت مدة الإيفاد عن شهر، بحيث تصبح قيمة المياومة لا تتجاوز مبلغ ( ديناران ونصف) عن كل يوم من الدورة.. وعليه فإن المبلغ الذي يستحقه صديقنا بلغ عن التسعين يوماً ( 225) ديناراً حلالاً زلالاً.. وحيث أنه أي صديقنا المبعوث كان يتقاضى بدل عمل إضافي في المؤسسة، فقد ترتب عليه نتيجة سفره مبلغ وقدره ( 250) ديناراً عن مدة الدورة بدل عمل إضافي، وأصبح بموجب ذلك بعد إنزال وخصم مبلغ المياومات، متبقياً عليه خمس وعشرون ديناراً إضافية.. إذاً هذه هي معايير بدلات الإيفاد والبعثات والدورات الخارجية للموظف العام ممن هم دون الفئات العليا الذين يتقاضون المياومات كاملة دون أن تنقص شيئاً.. تسعون يوماً يترتب للموظف رفيع الدرجة عنها مبلغ ديناران ونصف يومياً.. أما في تلك المؤسسة الوطنية الكبرى التي تقوم بالدرجة الأولى على ما تتقاضاه من جيوبنا كرسوم وبدلات وضرائب وغرامات.. فالموظف فيها يتقاضى نثريات عن سفرةٍ واحدة ربما لعدة أيامٍ، وربما كاملة النفقات من حيث توفير الفنادق الفاخرة والباذخة، والطعام ذو البوفيهات المفتوحة، والرحلات الترفيهية، والسهرات المخملية.. وربما المشتريات العائلية والشخصية.. ثم يعود ذلك البطل ليجد في انتظاره بدل مصروفات ونثريات فقط بأربعة عشر ألف دينار.. دولة الرئيس الذهبي: كنت أريد أن أعيد حساباتي وكلماتي لأبدأ مشواراً جديداً بعنوان ( خلقنا لنعيش) لكن يصرّ كثيراًَ من المسؤولين على استمراري بمزاج خلقنا لنعترض.. دولة الرئيس: كلّ ما أرجوه أن أتشرف بالعمل في هذه المؤسسة لمدة سنةٍ واحدةٍ وأنا أعدك بأن أتقاعد عن الحياة كلها بعد ذلك..

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا