حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2291

في القفص

في القفص

في القفص

07-10-2021 09:28 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - قضى سليم يومه حزينا وقلقا ومتأففا على ما أصابه من الحمى والصداع والزكام، ولم يتناول شيئًا إلا قطرات من ماء الجوز الهندي، وذلك لأنه عاد لا يتذوق مأكولا ولا يشتهي طعاما مهما كان لذيذا بسبب الحمى.

لجأ مبكرا إلى الفراش لينال بعض الراحة من آلام المرض، ولكن نومه طار بسبب حادثة نزلت على قلبه كالصاعقة صباحا وكاد يتفطر قلبه، فقد أرّقته الذكريات الماضية وأقضّت مضجعه، فبدأ يتقلب على فراشه الوثير ويتململ تململ السليم.

عندما انتصف الليل تعب ذهنه بطول تفكيره وكثرة بكائه، فغلب عليه النعاس، وما إن احتضنه النوم في آخر الليل حتى لاحت له فتاة ترتدي نقابا أبيض وما إن مضت دقيقة حتى اقتربت منه وسلمت عليه.

بدأ قلبه يتحرك واستجمع قواه العاطفية وقال: «وعليكم السلام.. من أنت؟».

- أنا صديقتك فتيحة.

- كيف حالك يا فتيحة؟ ما رأيتك قط في لباس كهذا منذ أن تعرفت عليك، كنت تتعودين ارتداء النقاب الأسود، فهل هناك حكمة وراء ارتداء النقاب الأبيض؟

قالت فتيحة: «لقد خرجت من القفص الذي ضيق عليّ الأرض بما رحبت وسلب حريتي طول بقائي فيه وكادت تزهق نفسي اختناقا».

- كل شيء عجيب وطريف أراه فيك الآن، لباس طريف، وكلام غريب لم أسمعه منك من قبل. عن أي قفص تتحدثين يا صديقتي العزيزة.

- قفص العالم. أجل: الدنيا سجن للمؤمن بحسب عقيدتنا.

بدت ابتسامة خفيفة على شفتَي فتيحة كأنها تسخر من سليم. وقالت: «شتان ما بين القفص والسجن، السجن تتوفر فيه الحرية رغم ضيقه، لكن القفص لا توجد فيه ذرة من الحرية، والحياة فيه كالممات».

- عجيب! رأيتك تتمتعين بحرية كاملة، كنت تحتلّين مكانة الصدارة بين الطلبة في صفنا، ولطالما رأيتك تذهبين إلى المطعم والمكتب وحدك، فكيف!

- رأيتَ القشور دون اللب، فلو أنك رأيت الواقع لما طرحت سؤالك.

ازداد سليم تعجبا وقال: «معذرة إن أزعجتك بسؤالي، لكنك موضع التعجب».

اقتربت فتيحة من سليم أكثر مما كانت وجلست بجنبه وقالت: «لست موضع التعجب. هناك أشياء لا تعرفها يا حبيبي».

قام سليم عابسا وقال بنبرة فيها السخط: «فما السر وراء هذا النقاب؟ وما القفص الذي ضيق عليك الحياة؟».

ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي فتيحة وقالت: «هذا ليس نقابا كالذي كنت أرتديه في الكلية، بل هذه حلة الواداع، لقد كسانيها أهلي عندما خرجت من القفص».

قال سليم: «فهمت، وما هو القفص؟».

قالت فتيحة: «يا حبيبي، عشت في بيئة ليست أقل ضيقا من القفص، لقد التحقت بالجامعة ولكن جل اعتمادي كان على أخي، لأنه كان يأخذني إلى الكلية ويرجع بي منها، إلى أن أصبحت مستقلة ووثقت بنفسي وشعرت بوجودي كفتاة تستطيع أن تعيش متمتعة بالحرية، وعندما جاء الوقت للالتحاق بجامعة في مدينة أخرى فرض أهلي الحظر عليّ ومنعوني من الخروج وبرروا موقفهم بأن الأوضاع عصيبة وغير آمنة، وليس من المناسب للفتاة أن تخرج وحدها إلى مدينة أخرى، لأن صيانة العرض أهم من التعليم. فبدأت أعيش منذ ذلك الحين عيشة عبد ربط مالكه عنقه بطوق حديدي، وأصبح? حياتي كببغاء حبسها رجل ذو ثروة في قفص ضيق لكي تقر عيناه بجمالها بعدما سلب حريتها. يمكن للطير أن يعيش في قفص عندما لا يجد مخرجا ولا مفرا منه، لكن هل يسوغ لفتاة حرة مثلي أن تذوق طعم العبودية؟ وهل يمكن لبشر حر أن يبقى على قيد الحياة عندما لا يبقى حرا؟ وهل من المقبول أن تخضع فتاة مثقفة للعبودية؟


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 2291

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم