حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,7 مايو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2714

تصادم الولاءات يأكل جسد الخارطة الوطنية

تصادم الولاءات يأكل جسد الخارطة الوطنية

تصادم الولاءات يأكل جسد الخارطة الوطنية

21-01-2020 09:27 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : محمود علي الزعبي

تنطلق النظريات الكبرى في العلوم السياسية ( الليبرالية و الواقعية و الماركسية ... الخ ) في أساسها التنظيري من فهمها للهوية ( ID ) ، فالليبرالية ترى أن الهوية تنحصر بالفرد أولاً ، فيما ترى الواقعية بأن الهوية للدولة ، في الحين الذي ترى به الماركسية بأن الهوية للجماعة السياسية ( بدءً بمجتمع العمال المحلي و انتهاءً بمجتمع المشاع العالمي ) . و بالتالي ، فإن كافة التنظيرات التي تتصل بالمسائل التي عالجتها تلك النظريات تنبع من منظورها لمسألة الهوية .

و حيث أن فكرة الهوية تقوم على تصنيف " الأنا و الآخر " ، و حيث أنها تضفي على النظرة للأنا مسحة من التفهم و السعي لتحقيق الرغبات ، فيما تضفي على نظرتنا للآخر مسحة من التوجس و الشك الدائمين ، فإننا سنكون في سعي دائم للحفاظ على مكونات هويتنا متحدة و في إزدياد مستمر ، في الوقت الذي سنسعى به إلى تحييد خطر الطرف الآخر .. إما بقهره بالوسائل الخشنة ( كما ترى الواقعية ) أو بسحب البساط من تحته عبر التنافس السلمي ( كما ترى الليبرالية ) .

و في الحين الذي يدين به كل منا لمجموعة من الولاءات ( الهويات ) ، فقد قسمت الأدبيات السياسية فكرة الولاء إلى ولاء وطني ( الولاء للدولة ) ، و إلى ولاءات فرعية ( الدينية و العرقية و الطائفية و القبلية و الإقليمية ... الخ ) . و قد سادت حالة من شبه الإتفاق التنظيري ، على اختلاف النظريات التي تعتنقها الدول ، بضرورة إعلاء الولاء الوطني على الولاءات الفرعية حتى يتسنى للدولة أن تنجح في بقائها و استقرارها و استمرارها . فالتعارض بين الولاء الوطني و بين الولاءات الفرعية ، أو تفوق الولاءات الفرعية على الولاء الوطني ، يؤدي في النهاية إلى إحباط مشروع الدولة شيئاً فشيئاً ، حتى يتسبب ذلك التعارض في انقسام الدولة إلى عدة كيانات سياسية صغرى أو يؤدي لجرِّها إلى خانة " الدولة الفاشلة " التي تعجز عن القيام بوظائفها .

إن قضية تصادم الولاءات أو تصالحها تعتمد بشكل تام على ما يسمى بـ " آليات التمثيل الديموقراطي " ، أو ما نسميه بـ " الإنتخابات " ، و كلما كانت الإنتخابات ناضجة و حقيقية و عادلة فإنها تسهم في ترجيح الكفة لصالح الولاء الوطني ، حتى ولو لم يحقق أصحاب الولاءات الفرعية نتائج كبرى في الإنتخابات بشكل دائم و مستمر . و على العكس أيضاً ، فكلما أصيبت آليات التمثيل الديموقراطي بالعطب فإنها تسهم في إمالة الكفة لصالح الولاءات الفرعية على حساب الولاء الوطني .

إن آليات التمثيل الديمقراطي تعتمد في أساسها على ثلاثة محاور : الأول هو منظومة القوانين ( قوانين الإنتخاب و الأحزاب ) التي تضع إطاراً يعزز الولاء الوطني على حساب الولاءات الفرعية ، و الثاني هو الوعي السياسي الذي يدفع الناخب لتغليب المصلحة العامة ( التي ستعود على مصلحته الخاصة بالفائدة في النهاية ) و يكون ذلك عبر إختياره للفكرة الأنضج لا للقرابة ، و الثالث هو وجود أحزاب أو تيارات أو قوائم وطنية فاعلة تمكن من يعيش في أقصى الشمال من انتخاب من هو في الوسط أو في أقصى الجنوب ، والعكس صحيح ، و بالتالي فإنها تمكن الناخب و المرشح من التحلل من ضيق جغرافيا الدوائر الإنتخابية الصغرى إلى إتساع الوطن .

يمكن إسقاط ذلك المنظور على دول العالم الثالث عموماً ( حيث يغيب الولاء الوطني بغياب آليات التمثيل الديموقراطي .. و حيث تحضر الولاءات الفرعية بكل ثقل ) ، و يمكن إسقاطه على الحالة الأردنية على وجه الخصوص . فالأردن ، و منذ نشأته ، اعتمد - في الغالب - أُطراً قانونية تحصر الناخب في ضيق جغرافيا الدوائر الإنتخابية ، و بالتالي يغيب الوعي بالمصلحة الوطنية العامة ، و كنتيجة لذلك تغيب الأحزاب و تفشل بشكل مستمر . و في المقابل فإن القبلية و العشائرية تحضر بديلاً عنها ، مما منع جسد الدولة الأردنية الوليد من أن يترعرع و ينضج ، و مما جعل فكرة الدولة غريبة تماماً عن عقل أفرادها ؛ حيث لا اتساق بين الدولة و المواطن ( لا وجود لعلاقة المواطنة ) ، و حيث يشعر الأفراد بأن نهشهم لجسد الدولة التي يرونها تنهش أجسادهم هو أمرٌ مباح و ضروري . و بالتالي ، ضعُفت الدولة و ضعُف أفرادها و إشتدت بينهما حالة القطيعة إلى حدٍ ينذر بالخطر!

و حيث يغيب الوعي السياسي في هذه المرحلة و تغيب الأحزاب ، تبعاً لغياب المنظومة القانونية التي تؤسس للبناء الوطني و لجسد الدولة ، فإن الإنتخابات النيابية القادمة في الأردن ستكون نسخة مكررة عن المسوخ الإنتخابية التي رأيناها سابقاً ، و لن تكتفي بهذا الحد ، بل ستسهم في تعميق حالة الطلاق الحاصل بين الدولة و مؤسساتها و بين المواطن! و بذلك سيكون الحضور للولاءات الفرعية وحدها!

و الخلاصة مما سبق هي أنه من المتعذر أن تنجح أي محاولة للإصلاح السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي دون أن توضع المنظومة القانونية الحقيقية ( قوانين الإنتخاب و الأحزاب خصوصاً ) و بشكل عاجل . ذلك أن الإصلاح في أي مجال يعتمد بشكل رئيس على متانة العلاقة بين الدولة و المواطن ، و التي لا يمكن أن تكون دون أن تتحقق تلك المتانة في العلاقة بين المواطنين و بين نوابهم .
تلك هي حافة الهاوية التي نقف عندها ، و تلك هي المطالب العاجلة و القصوى التي يجب أن يلتف حولها كل الشعب ، و إلا ضاع ما تبقى من جسد الدولة الأردنية!








طباعة
  • المشاهدات: 2714
برأيك.. هل ينجح "النتن ياهو" في القضاء على قدرات حماس المدنية والعسكرية بشكل كامل عقب رفضه وقف الحرب المتواصلة منذ أكثر من عام؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم