حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,21 مايو, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 34402

عَناكِبُ الظَّلامْ!!

عَناكِبُ الظَّلامْ!!

عَناكِبُ الظَّلامْ!!

18-11-2015 02:18 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عصمت حداد
تعلمنا في المرحلة الابتدائية من معلمينا- الذين نجل لهم كل الاعتراف بالفضل- الكثير من المعرفة والعلومْ، يوم كان الطالب يقف إجلالاً للمعلم..ويوم كانت المدرسة للتربية والتعليم، ففي تلك المدرسة البسيطة الكبيرة في رسالتها وعطائها.. ما زالت صورة أستاذ العلوم خالدةً في عقلي، وما زلت أذكر درسَ الكائناتِ الحية.. وذاك الجدلُ عن العنكبوتِ بعد أن عرفت بأنه حيوان..وحيوانٌ صغير من رتبة المفصليّاتِ، ولا يتبع فصيلةَ الحشرات!!،كائن لا يملك أجنحةً، له ثَمانِ أرجل، يتغذى على الحشرات الميتة، ويعيش في كل أنحاء الأرض، لديه قدرة على التأقلم مع مختلف الأحوال المناخية والبيئات، أسفل بطنه توجد مغازل ينسجُ من خلالها خيوطه في الظلام، لينصبَ فخاخاً يصطاد بها فريسته!!.

في ذلكَ اليومِ.. شعرتُ أنني أعرف كل شيء عن العنكبوت، أكملت الحصَصَ وأنا أفكر بهذا العنكبوت العجيب، ثم عدتُ إلى البيتِ فوجدت والدي -رحمه الله- يجلس هناك، ومن نشوة المعرفة بدأت أتحدث له عن هذا العنكبوت متباهيا بما أعرفْ، بدأتْ عيناه الواثقتان تنظرانِ إليَّ بفخرْ، أكملت حديثي..وقال: "عفارم عليك".. تلك العبارة التي كنت أحب سماعها كثيراً من والدي، صمتُّ فجأةً، فقد كان هناك سؤال يُحيِّرني: لماذا يعيش العنكبوت منزوياً؟، ولماذا يأكل الحشرات الميتة؟،قال ضاحكاً: اسمع يا بني هذه القصة، كان العنكبوت ملتزماً بدفعِ ما عليه من ضرائبَ، ولم يكن معه مالٌ..ففكر في حيلةٍ يدفع من خلالها ديونه التي كانت عليه، فقرَّر أخيراً أن يقترض مالاً من بعض الحيوانات، وفي الطريق وجد فأراً.. فسأله أن يقرضه ديناراً واحداً حتى الصباح، ليعيدهُ في اليوم التالي، قدم له الفأر ديناراً وانطلق، سار العنكبوت في الطريق..فوجد قطةً فسألها ديناراً أخراً..فأقرضتهُ إياه، ووعدها أنه سيرد المبلغ كما قال للفأر، كرر الحيلة مع الكلب والنمر والأسد، حمل العنكبوت الدنانير الخمسةَ، وسدد ما عليه من ضرائب، ثم عاد إلى بيته يفكر ماذا يفعل، أحضر فأساً وحفر حفرةً ضخمةً في حديقةِ منزله الخلفية ثم غطّاها، وفي الصباح.. جاءه الفأر يسأله عن الدينار، قابله العنكبوتُ بكلِّ بشاشةٍ وصار يتحدث معه حتى سمع طَرَقاتٍ على الباب، عرف أن القطة على الباب، فطلب العنكبوت من الفأر أن يجري إلى حجرةٍ أخرى إلى أن تنصرف القطة، فتح العنكبوت الباب ورحّب بالقطة، فسألته عن الدين.. وأجابها أنه سيدفعه فوراً، لكنه قد أعدَّ لها وجبة إفطار شهية تأكلها قبل أن تأخذه، أشار إلى الحجرة التي اختبأ فيها الفأر، دخلت القطةُ الحجرةَ وأكلته، عادت القطةُ إلى العنكبوت، فصار يحاورها حتى سمعت طرقات الباب، فعرفت أنه الكلب.. جرت تختبئ في حجرةٍ ثانيةٍ، دخل الكلب.. وتكرر نفس الأمر معه، أشار العنكبوت له على القطة فانقضَّ عليها وقتلها، وهكذا فعل مع النمر والأسد، وعندما شبع الأسد.. طلب منه العنكبوتُ أن يذهب إلى الحديقة الخلفية كي يعطيه الدينار، فسقط في الحفرة وأخذ يزأر، جاءت كل الحيوانات لترى ماذا فعل العنكبوت بملك الوحوش، وكيف قدم كلَّ حيوان فريسةً لحيوانٍ آخر حتى لا يفي بوعده، وقفت كل الحيوانات ضده، فاضطر العنكبوت أن يجري إلى زاوية البيت ويُقيم نسيجه عند السقْف، ومن يومها صار منعزلاً ولم يعد له طعام إلا الحشرات الميتة، واعلم يا بني: من لا يفي بوعده.. يفقد احترامَ الكلِّ لهُ، ويعيشُ منزوياً منبوذاً.

لقد توشَّحتْ معرفتي-كطفل- بحكمةِ والدي.. لأكتشفَ- عندما كَبرتُ- نوعاً آخراً من العناكبِ، يسمى بالعناكبِ البشرية..نعم، إنها العناكب البشرية..هذا النوع من البشر الذي لا يصح وصفه إلا بعناكب الظلام.. هذه العناكب التي تعششُ في الأمكنةِ المعتمة، والمجاري القذرة.. وتمارس سياسةَ التخريب، هؤلاء الذين ينسجون بمغازلِ الدناءةِ خيوطَ الدسائسِ والمكرِ والخداعِ تحت جُنحِ الظلام؛ ليرموا شباكهم وينالوا من الصادقين، هؤلاء المتملقون المتزلفون، هذه الوجوه الممتلئةُ بالنفاق والرياء.. أصحاب الألسن الملتويةِ، والنوايا الخبيثةِ، حاضناتِ الكذبِ الذين لم يعرفوا يوما شرفَ الكلمة.. ولا كبرياء الموقف، ولا طهر العهْد، خنازيرُ الانتهازيةِ الذين تدربوا في كلِّ الحظائرِ، وناموا في كل الأحضانِ، وانبطحوا وراء كلِّ مسؤول ومديرْ.. الثعالبُ الجرباءُ الذين ساهموا في خراب وطنهم ومؤسساتهِ من أجل الحصول على فضلات الموائدْ، أصحابُ الرؤوس المتعددةِ، والألسنِ المتقاطعةِ، والحناجر الرمادية. هذا الورم الخبيث من المتملقين المتزلفين والمخصيين الذين لا يعرفون الوطن إلا من خلال مصالحهم الدنيئة، إنهم أصل البلاء، ومنبع الشر، وجذرُ الانحطاطِ.لقد صدق الشاعر صالح عبد القدوس عندما قال:
لا خير في وُدِّ امرِئٍ متملقٍ - حلْوِ اللسانِ وقلبُهُ يتلَهَّبُ
بلقاك يحلف أنه بك واثقٌ - وإذا توارى عنك فهو العقربُ
يعطيك من طرف اللسان حلاوة - و يروغ منك كما يروغُ الثعلبُ

همسة لأبناء الوطن: من يريد للوطن خيراً عليه أن يغلق الأبواب والمنافذ بوجه هؤلاء المتسلقين، أسيادُ الكذب والخِداع، وأربابُ التزويرِ. مزقوا أقنعتهم القصديرية السوداء لتظهر عوراتهم القبيحة، أغرِقوهم بلعناتكم، فوالله إن هذه العناكب بلا وطنية، ولا شرف، ولا ضمير ولا أخلاق.
لقد أوجَعُوكَ يا وطني، ونسجوا خيوطهم المسمومة في كلِّ شبرٍ على أرضكْ، يا قلب وطني الموجوع.. إنك تحتاج جراحة مستعجلة..ترفع بها من قلبك الطيب الحنون الأدرانَ والأورامَ، لِيُضَخَّ بك دمٌ جديدٌ دافئ، وتعاد إليك الحياة التي تستحقها.. فمن سَيُجريها لك؟!


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 34402
هل ستشارك في الانتخابات النيابية
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم