حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,19 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 12026

"لو خليت بليت"

"لو خليت بليت"

"لو خليت بليت"

16-06-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

 

من أفضل مناطق العاصمة عمان...هكذا توصف المنطقة التي أسكن فيها حيث ترتفع ضريبة المعارف لتصنيف الإسكان من قبل أمانة عمان على أنه إسكان فئة أ، في حيّنا لا ترى الأطفال في الشوارع فهم يعتبرون مصدرا للازعاج و على أهاليهم ممارسة أكبر قدر من السيطرة عليهم ناهيك عن توفر جميع الملهيات الالكترونية لهم داخل البيت التي تزيد في بلادة الأطفال و تحد من حريتهم و انطلاقهم، في حيّنا تزداد البنايات ارتفاعا و الشوارع ضيقا لازدحام السيارات فيها فكل بيت يملك سيارتين في أقل القليل، في حيّنا التعقيم صفة المنطقة، حتى الناس معقمون و منشّيون و مكويون و لا أقصد بذلك الملابس فحتى الابتسامة لها حساب يخافون ان زادت أن تتجعد وجوههم و تكسر حواجز الجليد فيما بينهم، في حيّنا يختلط شيء من العربية بكثير من الانجليزيه و أحيانا الفرنسية، في حيّنا معظم النساء سيدات مجتمع و الخادمات يقمن بأمور المنزل، في حيّنا، ككثير من الأحياء التي تُسمى "بالراقية"، قد تموت و تحيا دون أن يسأل بك أحد سوى من صباح الخير تُلقى هنا و هناك و هي لجدية و صرامة قائلها و قائلتها تذكرك بالمثل المصري:" صباح الخير يا جاري انت في حالك و أنا في حالي".

بينما تروي أمي عن زمن كانت الأمثال السارية فيه تقول: "جارك القريب و لا أخوك البعيد، النبي وصى عسابع جار"، عن زمن كان الناس لبعضهم كالجسد الواحد و البنيان المرصوص ان لم يكن التزاما بالدين فبالعادات و التقاليد، فأين اندثرت هذه المفاهيم في عصرنا هذا؟

تكبر مدننا و تصغر قلوبنا، تتطاول أبنيتنا و تتقزم هممنا و يصبح الانسان مغتربا في شارعه و حيّه و بين أبناء بلده كجزء من ضريبة فاتورة العولمه و المَدنيّة.

هروبا من طغيان المدينة ذهبت في رحلة الى السلط الأبية حيث الأشجار السامقات و خضرة لم تفسدها ثقافة تستثمر في الحجارة و المباني أكثر من الانسان، لذا ربما استحقت أن تكون عاصمة الثقافة الأردنية لهذا العام، كان من أشكال الثقافة التي عاينتها في السلط قبل ثقافة القراءة و الكتابة و الفنون المختلفة ثقافة النخوة و الشهامة..موقف بسيط و دقائق معدودة كانت كافية لتثبت أن الدنيا ما زالت بخير...ضاع أبناء المدينة في امتداد السلط الرائق للعين فوقفنا بقرب سيارة أخرى نسأل صاحبها عن الطريق، فما كان منه الا أن ترجل من سيارته، و بنظرة أن "أولاد الشر لم يتركوا شيئا لأولاد الخير" و التي أصبحت جزءا من ثقافتنا المدنيّة توجسنا خيفة و قلنا اما انه سيتعارك معنا أو يؤذينا و اذ به يؤهل و يسهل و يرحب بلهجة بدوية حميمة و يستبقينا للغداء بنبرة تحس صدق صاحبها و بعبارات جميلة "و الله مكسبكم غنيمة، الجيرة عليكم تلفوا و تشرفونا" عبارات كان لها أثر السحر في أذن أهل المدينة حيث العبارات من شاكلة: "خلينا نبقى نشوفكم" و الترجمة تقول: مشغولون و لا وقت لدينا حيث تطبيق فعل "التشاوف" لا يتحقق أبدا

لم يكن ذلك الرجل مجبرا أن يبذل من نفسه جهدا في الترحيب و المجاملة الصادقة، كان يكفي حسن خلق منه أن يدلنا على الطريق و كفى..عاد لبالي زمن ثقافة كانت العرب تباهي بنصرة بعضهم بعضا دون سؤال و تستضيف الضيف إقامة كاملة full board   بلغة فنادق الخمسة نجوم، ثلاثة أيام بلياليها دون أن تسأله عن حاجته و صدق الشاعر حين أثنى عليهم:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم    في النائبات على ما قال برهانا

خرجنا من السلط و بنفسي أن نِعْمَ عاصمة الثقافة هي اذا كانت ثقافة أهلها بهذا المستوى من النخوة و الخيرية و التعاضد، خرجنا من السلط الى الشارع الرئيسي لنعاين اعلانات ممتدة امتداد البصر لمهرجانات تستضيف ثقافات هجينة و مستوردة لا أظنها تعرف شيئا عن ثقافة الشهامة العربية الممتد بين طهارة الأرض و قدسية العِرض و ما بينهما أصالة الفكر و الجذور.

إن التصارع بين الاتجاهات و الأفكار، بين الأبيض و الأسود و الحق و الباطل سنة كونية و لكن دورة الزمن غلابة و عجلة التاريخ تعود دائما الى حيث بدأت المسير ليذهب الزبد جُفاء و يستقر ما ينفع الناس في الأرض

شكرا للسلط و أهلها على إحياء ثقافة القيم و دامت الشهامة حليفة أردننا العامر

د.ديمة طارق طهبوب



لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 12026
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
16-06-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل طهران قادرة على احتواء رد فعل "تل أبيب" بقصف بنيتها التحتية الاستراتيجية حال توجيه إيران ضربتها المرتقبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم