حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,27 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4215

الحواتمة يكتب: سلام يبنيه الأردن … واستسلام يرفضه التاريخ

الحواتمة يكتب: سلام يبنيه الأردن … واستسلام يرفضه التاريخ

الحواتمة يكتب: سلام يبنيه الأردن … واستسلام يرفضه التاريخ

26-11-2025 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : م. محمد العمران الحواتمة
الأردن اليوم يقف في قلب عاصفة إقليمية لا تهدأ ، ولكنه يقف بثبات دولة تعرف نفسها جيداً ، وتعرف الفرق بين سلام يحفظ كرامتها ودورها ، وإستسلام ينتزع منها هويتها وحقها وصوتها . فمنذ تأسيس الأردن يحمل راية موقف واضح السلام خيار إرادة ، آما الإستسلام فليس له مكان في قاموس هذا الوطن . وهذا المبدأ لم يأت صدفة ، بل صاغته مدرسة هاشمية إمتدت من الحسين الباني الى الملك عبد الله الثاني وولي عهده الامير الحسين ، مدرسة ترى أن الأمة لا تعيش بسلام شكلي ، بل بسلام قوي يحمي الحقوق والأرض والوجدان .

قال الملك عبد الله الثاني في إحدى كلماته العالمية : أبي كان رجلاً قاتل من أجل السلام حتى الرمق الاخير . لم تكن الجملة وصفاً شاعري لحياة ملك ، بل خلاصة نهج رسم وجه الاردن الحديث . الحسين رحمه الله ، لم يمش في طريق سهل ولم يختبر مرحلة هادئة ، لكنه كان يعرف أن السلام الذي يخدم وطنه وأمته هو سلام يصنعه الاقوياء ، لا سلام تتنازل فيه الدول عن صوتها تحت ضغط القوة . ولذلك بقي الأردن ، في كل مفصل سياسي حساس رافعا رأسه ، لا يساوم على كرامته ولا يبدل ثوابته .

الملك الحسين نفسه قال يوماً عبارة خالدة : فلسطين قطعة من قلبي . لم يكن هذا موقفاً عابراً ، بل جزءاً من هوية الدولة الاردنية التي وجدت نفسها دائماً في موقع الدفاع عن الحق الفلسطيني وحمايته . ومثلما كان الحسين يؤمن بأن القضية ليست ملفاً سياسياً بل إلتزاماً اخلاقياً وتاريخياً ، بقي الملك عبد الله الثاني يحمل ذات الرسالة ، مؤكداً في كل محفل أن السلام الحقيقي لا يقوم على الظلم وأن الأردن لن يقبل سلاماً ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني او يعبث بهوية القدس وتاريخها .

واليوم وفي ذروة ما تشهده المنطقة من ضغوط وصراعات ومشاريع تلتف على الحقوق ، يكرر الملك عبد الله الثاني رسالة ثابتة الاردن مع السلام العادل الشامل وليس مع حلول شكلية تخدم القوي وتخنق الضعيف . الإرادة السياسية الأردنية لم تتغير يوماً ، لان جذورها ضاربة في عمق مدرسة الحسين ، الذي خاض أشد المراحل صعوبة دون أن يسمح للإستسلام ان يقترب من قاموسه .

ولي العهد الامير الحسين بن عبد الله الثاني وفي كل ظهور له ، يعيد تذكير جيله أن السلام ليس كلمة تلين بل مسؤولية تستوجب صلابة . وعندما إستحضر في إحدى المناسبات رسالة الملك الحسين الى الملك عبد الله عند تسليم الراية ، كان يشير الى أساس هذه المدرسة ، ان حب الوطن انتماء لا يساوم وان الولاء ليس شعاراً بل فعل وان مصلحة الوطن مقدمة على كل شيء . تلك الرسالة لم تكن مجرد كلمات اب لإبنه ، بل كانت دستور ثبات يورث من جيل الى آخر .

وحين تحدث ولي العهد عن القدس وقال: القدس ليست قضية نتحدث عنها بل شرف ندافع عنه ، كان يعيد رسم جوهر الفرق بين السلام والاستسلام . فالدفاع عن المدينة المقدسة وعن الوصاية الهاشمية عليها ليس موقفاً سياسياً بل امتداد لنهج أساسه العدل والكرامة والحق .

الاردن اليوم يحمل عبء المنطقة لكنه لا يتراجع . يواجه ضغوطات اقتصادية وسياسية لكنه يرفض أن يساوم على ثوابته . ويقف وحيداً احياناً لكنه لا ينحني . السلام الذي يريده الأردن ليس ورقة توقع على طاولة ولا صورة تلتقط لمشهد بروتوكولي بل سلام يعيد الحق الى اهله ويحمي الارض ويضمن الامن والاستقرار للشعوب وليس سلاماً يفرض بالقوة أو يغطي الظلم .

في كل محطة اقليمية يظهر الفرق واضحاً : الإستسلام هو أن تقبل بما يفرض عليك ، آما السلام فهو أن تذهب برأس مرفوعة الى طاولة التفاوض دون ان تتخلى عن مبادئك . الإستسلام هو أن تساير العالم في سياسات لا تشبهك ، آما السلام فهو ان تفرض احترام موقفك على العالم . الاستسلام يسلب الوطن هيبته ، آما السلام فيبني له مكانة لا تهتز .

الأردن كان وسيبقى نقطة إتزان في منطقة مضطربة وقوة عقلانية تقف على حدود النار دون ان تحترق . دوره لم يكن يوماً دور المتفرج بل دور من يمنع الانهيار ومن يدفع باتجاه الحلول العادلة ومن يحمي الناس من فوضى تتسع . وهذا الدور ليس ناتجاً عن ضعف بل عن ثقة . عن معرفة . عن ارث ملكي صنعه الحسين ويمتد اليوم في الملك عبد الله وولي عهده .

وحين نقول أن الاردن يرفض الاستسلام فليس المقصود فقط الاستسلام السياسي بل الاستسلام في الهوية ، في الرسالة ، في الدور . فالأردن دولة صغيرة في المساحة لكنها كبيرة في الموقف ودورها يفوق حجمها الجغرافي لانها دولة ذات موقف لا يتغير . وهذا ما يجعل العالم يصغي لها حتى وان اختلف معها .

السلام بالنسبة للأردن هو أن يعيش الناس بكرامة . هو ان لا يرفع الاردني رأسه الا وهو واثق انه على الجانب الصحيح من التاريخ . هو أن تبقى فلسطين في القلب لا في الهامش وأن تبقى القدس مسؤولية لا شعاراً . آما الإستسلام فهو أن نتخلى عن هذا كله مقابل لحظة هدوء زائف لا تدوم .

وهكذا يبقى الفرق بين السلام والإستسلام واضحاً في تاريخ الأردن فالسلام قرار دولة قوية ، آما الاستسلام فهو قدر الدول التي فقدت نفسها . والاردن بقيادته الهاشمية وشعبه الواعي ، لم يفقد نفسه يوماً بل اختار دائماً طريقاً واحداً سلاماً لا يشبه احداً ، وكرامةً لا تنحني ، وموقفاً لا يذوب مهما تغيرت موازين القوى .

هذا هو الأردن . دولة صنعت سلاماً بكرامة ، ورفضت إستسلاماً بثبات ، وحملت عبء امة دون أن تسمح لظهرها أن ينحني . هنا تكمن الحكاية ، وهنا يكمن الفارق .











طباعة
  • المشاهدات: 4215
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
26-11-2025 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل يرضخ نتنياهو لضغوط ترامب بشأن إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم