حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,27 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3022

العمران يكتب: سلام يبنيه الاردن… واستسلام يرفضه التاريخ

العمران يكتب: سلام يبنيه الاردن… واستسلام يرفضه التاريخ

  العمران يكتب: سلام يبنيه الاردن… واستسلام يرفضه التاريخ

26-11-2025 03:50 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : م. محمد العمران الحواتمة
الاردن اليوم يقف في قلب عاصفة اقليمية لا تهدأ، ولكنه يقف بثبات دولة تعرف نفسها جيدا، وتعرف الفرق بين سلام يحفظ كرامتها ودورها، واستسلام ينتزع منها هويتها وحقها وصوتها. منذ تأسيسها والاردن يحمل راية موقف واضح: السلام خيار ارادة، اما الاستسلام فليس له مكان في قاموس هذا الوطن. وهذا المبدأ لم يأتِ صدفة، بل صاغته مدرسة هاشمية امتدت من الحسين الباني الى الملك عبد الله الثاني وولي عهده الامير الحسين، مدرسة ترى ان الامة لا تعيش بسلام هش، بل بسلام قوي يحمي الحقوق والارض والوجدان.

قال الملك عبد الله الثاني في احدى كلماته العالمية: ابي كان رجلا قاتل من اجل السلام حتى الرمق الاخير. لم تكن الجملة وصفا شاعرية لحياة ملك، بل خلاصة نهج رسم وجه الاردن الحديث. الحسين، رحمه الله، لم يمش في طريق سهل، ولم يختبر مرحلة هادئة، لكنه كان يعرف ان السلام الذي يخدم وطنه وامته هو سلام يصنعه الاقوياء، لا سلام تتنازل فيه الدول عن صوتها تحت ضغط القوة. ولذلك بقي الاردن، في كل مفصل سياسي حساس، رافعا رأسه، لا يساوم على كرامته ولا يبدل ثوابته.

الملك الحسين نفسه قال يوما عبارة خالدة: فلسطين قطعة من قلبي. لم يكن هذا موقفا عابرا، بل جزءا من هوية الدولة الاردنية، التي وجدت نفسها دائما في موقع الدفاع عن الحق الفلسطيني وحمايته. ومثلما كان الحسين يؤمن بأن القضية ليست ملفا سياسيا بل التزاما اخلاقيا وتاريخيا، بقي الملك عبد الله الثاني يحمل ذات الرسالة، مؤكدا في كل محفل ان السلام الحقيقي لا يقوم على الظلم، وان الاردن لن يقبل سلاما ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني او يعبث بهوية القدس وتاريخها.

واليوم، وفي ذروة ما تشهده المنطقة من ضغوط وصراعات ومشاريع تلتف على الحقوق، يكرر الملك عبد الله الثاني رسالة ثابتة: الاردن مع السلام العادل الشامل، وليس مع حلول شكلية تخدم القوي وتخنق الضعيف. الارادة السياسية الاردنية لم تتغير يوما، لان جذورها ضاربة في عمق مدرسة الحسين، الذي خاض اشد المراحل صعوبة دون ان يسمح للاستسلام ان يقترب من قاموسه.

ولي العهد الامير الحسين بن عبد الله الثاني، في كل ظهور له، يعيد تذكير جيله ان السلام ليس كلمة تلين، بل مسؤولية تستوجب صلابة. وعندما استحضر في احدى المناسبات رسالة الملك الحسين الى الملك عبد الله عند تسليم الراية، كان يشير الى اساس هذه المدرسة: ان حب الوطن انتماء لا يساوم، وان الولاء ليس شعارا بل فعل، وان مصلحة الوطن مقدمة على كل شيء. تلك الرسالة لم تكن مجرد كلمات اب لابنه، بل كانت دستور ثبات يورث من جيل الى آخر.

وحين تحدث ولي العهد عن القدس وقال: القدس ليست قضية نتحدث عنها، بل شرف ندافع عنه، كان يعيد رسم جوهر الفرق بين السلام والاستسلام. فالدفاع عن المدينة المقدسة وعن الوصاية الهاشمية عليها ليس موقفا سياسيا، بل امتداد لنهج اساسه العدل والكرامة والحق.

الاردن اليوم يحمل عبء المنطقة لكنه لا يتراجع. يواجه ضغوطات اقتصادية وسياسية، لكنه يرفض ان يساوم على ثوابته. ويقف وحيدا احيانا، لكنه لا ينحني. السلام الذي يريده الاردن ليس ورقة توقع على طاولة، ولا صورة تلتقط لمشهد بروتوكولي، بل سلام يعيد الحق الى اهله، ويحمي الارض، ويضمن الامن والاستقرار للشعوب، وليس سلاما يفرض بالقوة او يغطي الظلم.

في كل محطة اقليمية، يظهر الفرق واضحا: الاستسلام هو ان تقبل بما يفرض عليك، اما السلام فهو ان تذهب برأس مرفوعة الى طاولة التفاوض دون ان تتخلى عن مبادئك. الاستسلام هو ان تساير العالم في سياسات لا تشبهك، اما السلام فهو ان تفرض احترام موقفك على العالم. الاستسلام يسلب الوطن هيبته، اما السلام فيبني له مكانة لا تهتز.

الاردن كان وسيبقى نقطة اتزان في منطقة مضطربة، وقوة عقلانية تقف على حدود النار دون ان تحترق. دوره لم يكن يوما دور المتفرج، بل دور من يمنع الانهيار، ومن يدفع باتجاه الحلول العادلة، ومن يحمي الناس من فوضى تتسع. وهذا الدور ليس ناتجا عن ضعف، بل عن ثقة. عن معرفة. عن ارث ملكي صنعه الحسين ويمتد اليوم في الملك عبد الله وولي عهده.

وحين نقول ان الاردن يرفض الاستسلام، فليس المقصود فقط الاستسلام السياسي، بل الاستسلام في الهوية، في الرسالة، في الدور. فالاردن دولة صغيرة في المساحة لكنها كبيرة في الموقف، ودورها يفوق حجمها الجغرافي لانها دولة ذات موقف لا يتغير. وهذا ما يجعل العالم يصغي لها حتى وان اختلف معها.

السلام بالنسبة للاردن هو ان يعيش الناس بكرامة. هو ان لا يرفع الاردني رأسه الا وهو واثق انه على الجانب الصحيح من التاريخ. هو ان تبقى فلسطين في القلب لا في الهامش، وان تبقى القدس مسؤولية لا شعارا. اما الاستسلام فهو ان نتخلى عن هذا كله مقابل لحظة هدوء زائف لا تدوم.

وهكذا يبقى الفرق بين السلام والاستسلام واضحا في تاريخ الاردن: السلام قرار دولة قوية، اما الاستسلام فهو قدر الدول التي فقدت نفسها. والاردن، بقيادته الهاشمية وشعبه الواعي، لم يفقد نفسه يوما. بل اختار دائما طريقا واحدا: سلاما لا يشبه احدا، وكرامة لا تنحني، وموقفا لا يذوب مهما تغيرت موازين القوى.

هذا هو الاردن. دولة صنعت سلاما بكرامة، ورفضت استسلاما بثبات، وحملت عبء امة دون ان تسمح لظهرها ان ينحني. هنا تكمن الحكاية، وهنا يكمن الفارق.











طباعة
  • المشاهدات: 3022
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
26-11-2025 03:50 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل يرضخ نتنياهو لضغوط ترامب بشأن إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم