26-10-2025 10:50 AM
بقلم : م. محمد العمران الحواتمة
في الأمس القريب ، وأمام أحد المخابز الشعبية ، وقفت مشهداً بسيطاً في صورته ، لكنه عميق في أثره الإنساني والوطني .
رجل كبير في السن ، تجاوز التسعين تقريباً ، يقف متكئاً على عصاه ، تتحدث ملامحه عن رحلة طويلة من الكد والتعب . كان ينتظر بعيونٍ أنهكها الزمن ، عل أحد المارة يمد له يداً تحمل القليل من الرحمة ، أو حتى نظرة احترام تليق بعمره .
وبين ازدحام الناس والضجيج ، اقتربت منه فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها العشر سنوات ، تمسك بيد والدها وتبكي بحرقة ، ترجوه أن يساعد الرجل المسن ببضع قروش .
لكن الأب ، المنهك ربما من هموم الحياة ، قال لها ببرود مؤلم : " أنا بدي حدا يعطيني ."
كانت تلك الجملة كطعنة في قلب الطفلة ، وفي قلب كل من شهد الموقف ، وانا منهم .
يا أبناء وطني ما أقسى أن تطفأ شعلة الرحمة في زمن عرف الأردنيون فيه دوماً بكرمهم وشهامتهم .
مشهد الطفلة وهي تبكي لم يكن مجرد لحظة عابرة بنظري ، بل كان جرس إنذار لنا جميعاً بأن إنسانيتنا بدأت تتراجع أمام صعوبات الحياة وأننا بحاجة لأن نستعيد تلك الروح التي كانت تميز المجتمع الأردني عبر العقود .
الأردنيون عبر التاريخ لم يعرفوا يوماً معنى اللامبالاة ، فقد كانت “ العونة ” سلوكاً متجذراً فينا ، والكرم جزءاً من الهوية الوطنية ، لا من الترف الاجتماعي .
من الجنوب إلى الشمال ، من بيوت الطين إلى المدن الحديثة ، ظل الأردني عنواناً للنجدة ، وسنداً لكل محتاج ، لا يسأل لماذا ولا لمن ، لأن فعل الخير كان بالنسبة له واجباً وطنياً قبل أن يكون إحساناً فردياً .
تلك الطفلة الصغيرة التي بكت على باب المخبز ، لم تكن تبكي فقراً ، بل كانت تبكي ضياع قيمة . كانت تبكي لأن قلبها النقي لم يعرف بعد معنى التبرير البارد ولم يتعلم بعد أن يمر على الألم مرور الكرام .
هي تمثل ضمير هذا الوطن وصوت البراءة الذي يذكرنا أن الإنسانية ليست شعاراً يقال ، بل فعلٌ صغير قد يغيّر حياة إنسان .
يا أبناء الأردن ، ما نقص مالٌ من صدقة ، وما ضعف وطن إلا حين قست قلوب أبنائه .
فلنجعل من كل موقف كهذا فرصةً للعودة إلى أنفسنا ، إلى جذورنا الأصيلة ، إلى الشهامة التي علمتنا أن “ الخبز والملح ” ميثاق شرف لا يخان ، وأن الرحمة لا تحتاج إلى مالٍ كثير ، بل إلى قلبٍ لا يزال ينبض بالخير .
إن بقاء الخير فينا هو ما سيحفظ هذا الوطن ، وسيبقي الأردن كما عهدناه :
وطناً لا تنطفئ فيه نار الكرم ، ولا يغلق فيه باب الرحمة ، وطناً تبكي فيه الطفلة على المسن ، فيبكي معها الوطن كله .
دمتم بخير ، وحفظكم الله .
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-10-2025 10:50 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||