05-10-2025 08:30 AM
بقلم : الصيدلي عدوان قشمر نوفل
منذ أكثر من مئة عام يعيش الشعب الفلسطيني تحت ظلمٍ تاريخيٍّ متواصل، ابتدأ مع وعد بلفور سنة 1917، ولم ينقطع حتى يومنا هذا. إنها مسيرة طويلة من المعاناة والصمود، تروي حكاية وطنٍ أُريد له أن يُمحى، لكنه أبى إلا أن يبقى حيًّا في الذاكرة والوجدان.
في عام 1917، بدأت الخطط الاستعمارية للاستيلاء على فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر. واستغلت الحركة الصهيونية نفوذها المالي والسياسي لتسهيل مشروعها، فكانت الحرب العالمية الثانية فرصتها الذهبية حين كان اليهود منبوذين في المجتمع الأوروبي، يبحثون عن مخرجٍ من واقعهم، فجاء الانتداب البريطاني على فلسطين ليكون الجسر الذي عبرت عليه الصهيونية إلى الأرض الموعودة، ولتطبيق عمليٍّ لوعد بلفور المشؤوم.
بدأ الانتداب البريطاني بتسهيل عمليات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مؤمنًا لهم المسكن والسلاح، في الوقت الذي كان يُعدَم فيه الفلسطيني إن ضُبط بحوزته سلاح يدافع به عن بيته. وخلال سنوات الانتداب، تكثّفت الهجرة بدعمٍ عسكري وسياسي مباشر، فانتفض الشعب الفلسطيني ضدّ هذا الزحف المنظم، وكانت ثورة البراق الكبرى عام 1929، ثم الثورة الفلسطينية الكبرى 1936–1939، وقدّم الفلسطينيون فيها آلاف الشهداء دفاعًا عن أرضهم وهويتهم.
وهكذا بدأ التغلغل الصهيوني في فلسطين بخطواتٍ محسوبة وناعمة، حتى شكّلت الحركة الصهيونية فرقها العسكرية المدربة مثل “الهاجانا”، بمساعدةٍ مباشرة من سلطات الانتداب، استعدادًا ليوم الحسم.
وفي اليوم الذي بدأت فيه بريطانيا انسحابها من فلسطين، سلّمت كل شيءٍ للمنظمات اليهودية الإرهابية، ليُعلن في 15 أيار 1948 قيامُ ما يُسمّى بدولة إسرائيل.
ومنذ اللحظة الأولى، شنت العصابات الصهيونية هجماتها على القرى الفلسطينية بسلاحٍ متطور، فارتُكبت المجازر والمذابح، وهُجّر أكثر من 750 ألف فلسطيني من ديارهم، ودُمّرت مئات القرى. مجازر دير ياسين والطنطوره واللد والرملة ما زالت شاهدة على الدم الذي سال بلا حساب.
لكن الفارق اليوم أنّ الشعب الفلسطيني صمد في أرضه عكس حرب 48، فهذه المرة لم يترك بيته، ولم يرفع الراية البيضاء، بل واجه القصف والجوع والحصار بصبر أسطوريٍ لم يشهد له التاريخ مثيلًا.
ومع تكرار التاريخ ذاته، عادت إسرائيل لتستخدم الأساليب نفسها: القتل، والتهجير، وقطع الماء، ومنع الغذاء. من الشمال إلى الجنوب ثم من الجنوب إلى الشمال، المشهد نفسه يتكرر، لكنّ الشعب تغيّر، فقد تعلّم من النكبة أن البقاء على الأرض هو أول أشكال المقاومة.
واليوم، وبفضل الإعلام المرئي والرقمي، أصبح العالم يرى جرائم القتل بحق الأطفال والنساء والشيوخ تحت أنظار الجميع، بينما تقف الحكومات متفرجة. ومع ذلك، تحرّك الشارع العالمي في عشرات الدول، رافعًا صوته ضد المجازر في غزة، وضاغطًا على حكوماته لوقف آلة القتل.
لقد دُمّرت المستشفيات والمدارس ودور العبادة وخيام النازحين، واستُهدف الصحفيون عمدًا لأنهم نقلوا الحقيقة للعالم، فسقط أكثر من مئتي صحفي شهيدًا وهم يحملون الكاميرا بدل السلاح.
ومع كل هذا، بقي شعبنا الصابر والمقاوم متمسكًا بأرضه، ينام على التراب ولا ينام عن الحق، مؤمنًا بأن هذه الأرض التي احتضنت الأنبياء ستلفظ الطغاة مهما طال ليلهم.
إنّ صمود الفلسطيني اليوم ليس حدثًا عابرًا، بل صفحة جديدة من ملحمةٍ عمرها ألف عام. فكلّ مستعمرٍ جاء إلى هذه الأرض رحل عنها مهزومًا، وسترحل إسرائيل كما رحل من قبلها الغزاة جميعًا، لأن التاريخ قد يعيد نفسه، نعم…
لكنّ هذه المرة سيُكتب النصر بأيدي الفلسطينيين لا المحتلين.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-10-2025 08:30 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |