01-10-2025 03:16 PM
بقلم : موفق عبدالحليم ابودلبوح
في زمانٍ باتت فيه الخطب مهرجانات ديبلوماسية خاوية وحين تآكل المعنى تحت وطأة المصالح، ارتفعت كلمة جلالة الملك عبد الله الثاني في الأمم المتحدة لا كخطاب عابر، بل كـوقفة ضمير تُدين العالم بالصمت، وتوقظ ما تبقّى من ذاكرة العدل لقد كان الخطاب صيحة تُطلقها حناجر الأنبياء، لا أصوات الزعماء؛ وصرخة ليست في وجه الاحتلال وحده، بل في وجه هذا العالم الذي أدار وجهه عن الدم الفلسطيني، ثم تباكى على “الاستقرار” وهو يغرق في ركام الكرامة.
افتتاحية لا تُقال، بل تُرمى كحجر في ماء آسن " هل تكفي الكلمات؟" ليست مجرد استهلال، بل صفعة بلاغية وُجهت إلى المنصة الأممية، حيث تتراكم الكلمات منذ عقود فوق جثث الأبرياء، دون أن تردع قاتلاً أو تُعيد حقًّا ففي سطرٍ واحد، وضع الملك المجتمع الدولي أمام مرآة التشظي الأخلاقي: كلمات تُسكب، لا لتنقذ حياة، بل لتغسل أيدي المتفرجين.
في خطابه، لم يُساير الملك الأعراف الدبلوماسية الباردة بل سمّى الأشياء بأسمائها: الاحتلال جريمة، والسكوت عنها شراكة والتقاعس الدولي ليس حيادًا بل انحياز سافرٌ للجريمة ما قاله جلالة الملك ليس تحليلًا سياسيًا، بل حُكم تاريخي: أن ما يجري في فلسطين ليس نزاعًا، بل امتحانٌ للعالم… والعالم رسب.
ولأن القدس قضية وجدان لم تغب عن النص، بل كانت تتوسطه كقلبٍ نابض لا يُساوَم عليه حيث ذكّر الملك بدور الأردن التاريخي والروحي في حماية المقدسات، لا كمجرد مهمة سياسية، بل كـوصية شرف لا تُباع في مزادات الصفقات وإن العبث بالقدس، في منطق الخطاب ليس استفزازًا سياسيًا فحسب بل تفجيرٌ للقيم، وانتهاكٌ لما هو أعمق من القانون: لما هو مقدّس.
فلا دولة بدون كرامة، ولا كرامة تحت الاحتلال فالدولة الفلسطينية، ليست ترفًا سياسيًا، ولا "مكافأة" تُمنح إن رضيت الضحية بخطايا الجلاد بل هي حقّ أصيل، لا يسقط بالتقادم، ولا ينكسر أمام فوهات البنادق فلقد كان الخطاب إدانة لتلك الأصوات التي تدعو إلى حلول "براغماتية"، وهي في حقيقتها وصفات لتصفية القضية وتذويب الوجع في مستنقع التسويات.
اللغة التي خاطبهم بها جلالة الملك لا تستعير هيبتها من المنبر، بل تمنح المنبر مهابةً ولعل أعظم ما في خطاب الملك أنه لم يخاطب العواصم، بل أيقظ الضمائر لم يُساجل، بل شهد.
خطاب جلالة الملك لم يكن مجرد موقف أردني؛ بل مرافعة باسم الإنسانية، تُحاكم جبن العالم، وتستدعي ما تبقّى من ذاكرته الأخلاقية لقد أطلق حفظة الله من منصة الأمم المتحدة نداءً سيبقى يتردد، حتى بعد أن تسكت الأبواق وتُطوى الملفات:
لا سلام مع الظلم، لا عدالة تُبنى على أنقاض شعب، ولا استقرار يُرجى من نظام عالمي أعمى عن الدم، مبصرٌ للصفقات.
ويبقى السؤال معلقًا، لا للزينة، بل كأقسى اختبار: هل تكفي الكلمات… إذا لم يَعُد في هذا العالم من يسمع؟
موفق عبدالحليم ابودلبوح
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-10-2025 03:16 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |