29-09-2025 07:06 PM
بقلم : د. رأفت غالب البيايضة
الأردن لم يكن يومًا دولة تُدار بالصدفة أو تخضع للمغامرات، بل مدرسة سياسية عريقة بُنيت على الحذر والدهاء وحسن قراءة التوقيت. وفي لحظة تتلألأ فيها وعود واشنطن على لسان إدارتها، لا يراها الأردن إلا ضمن سياق تاريخي طويل أثبت أن البريق الأمريكي يخفي وراءه دائمًا حسابات معقدة.
فالوعود الأمريكية كثيرًا ما بدت براقة في العنوان، لكنها في مضمونها أوراق ضغط متحركة، تستخدم عند الحاجة، وتُسحب عند التغيير. وعودة بعض الوجوه التي ارتبطت بتجارب سابقة في العراق وفلسطين، مثل توني بلير وجاريد كوشنر، ليست إلا تذكيرًا بأن مقترحات الخارج قد تحولت مرارًا إلى أزمات بدلًا من حلول.
المعضلة إذن ليست في الكلمات التي تُساق، بل في ما تحمله من مصائد الأوهام مصائد مغلفة بشعارات التنمية والسلام، لكنها مصممة بدقة لخدمة تل أبيب وواشنطن على حساب العرب مجتمعين.
الأردن، وهو يقرأ هذه اللحظة، لا يندفع نحو الرفض المطلق ولا يقبل بسهولة، بل يُمارس ما يمكن تسميته بـ"الاستراتيجية الواقعية": تمحيص لكل خطوة، تدقيق لكل وعد، ميزان حساس بين الانفتاح على الفرص والحذر من السقوط في المصائد.
هذا النهج جعل من الموقف الأردني مرجعية عربية، حيث تُطرح أمام المنطقة صورتان: الأولى تحمل فرصًا قد تفتح بابًا للتنمية والسلام، والثانية تخفي وراءها إعادة ترتيب خرائط النفوذ الإقليمي بما يهدد المصالح العربية. ومن هنا، يطرح الأردن الأسئلة الكبرى التي يتفاداها الآخرون: ماذا لو لم تلتزم تل أبيب وواشنطن؟ ماذا لو تحولت الضمانات إلى أوراق مساومة جديدة؟
السياسة الأردنية، في خطوطها العامة، تقوم على ثلاثة أعمدة راسخة:
أولها التوازن الدقيق مع الولايات المتحدة بوصفها القوة الأكبر عالميًا، دون تفريط في الثوابت الوطنية.
ثانيها إبراز الدور الإقليمي للأردن كوسيط ومفاوض رئيسي لا يمكن تجاوزه في أي تسوية أو تفاوض.
وثالثها تثبيت الشرعية الداخلية عبر حماية الهوية الوطنية ودعم القضية الفلسطينية باعتبارها حجر الزاوية في الأمن القومي العربي.
هذه الأعمدة منحت الأردن قدرة على إرباك مشاريع كبرى، وإعادة صياغة المعادلات حين يحسن قراءة المتغيرات واستثمار اللحظة التاريخية. والفرق هنا واضح: بينما تنشغل تل أبيب بترتيبات آنية ومكاسب سريعة تحت غطاء واشنطن، ينظر الأردن إلى الأفق الأوسع: حماية مصالح الأمة، صون الاستقرار، وتحويل التهديد إلى فرصة.
وهكذا، وبينما ينصب الآخرون المصائد، يظل الأردن باسم الدولة وخبرتها التاريخية قادرًا على كشف الشيفرات، وتقديم نموذج عربي مختلف، لا يكتفي بالمراقبة، بل يصنع الفعل ويفرض حضوره في قلب المشهد.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-09-2025 07:06 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |