27-09-2025 10:26 AM
بقلم : د. دانا خليل الشلول
في ظل التطور الرقمي المتسارع، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات عامة لعرض الخلافات الشخصية على الملأ لمستخدميها، فباتت وسيلةً لتفريغ المشاعر السلبية أكثر من الإيجابيّة؛ كعرض شجار الأصدقاء، واستفزاز الأقارب، ومهاترات الطلاق والانفصال، لكن الأمر بدأ بالتطور بطريقةٍ متسارعة وملحوظة ويأخذ أبعاداً ممتدة ومتشابكة؛ وهو ما نراه اليوم في الأردن مع قضايا وقصص "مشاهير أو مؤثري السوشيال ميديا"، فيما أنَّ هذه الخلافات، التي تتجاوز حدود الخصوصية وتتضمن تراشقاً لفظياً حاداً وخادشاً للحياء والذوق العام أحياناً، ويحمل اتهامات علنية للآخرين، وفضائح تخص حياتهم، ووسيلة تهديد مًباشرة أمام الجماهير، ووسيلة لنشر وتسهيل نشر الفضيحة؛ فهذه الظاهرة باتت لا تُعد مجرد مشكلة شخصية، بل هي ظاهرة اجتماعية تستحق الوقوف عندها، حيث إنها تضع سمعة الأردن على المحك في الداخل والخارج على حد سواء.
بينما يرى البعض أن هذه الخلافات لا تخرج عن كونها "ترند" عابر، إلا أنها في الواقع تُسهم في تشويه صورة الأردن في الداخل والخارج، وتُثير استياء الناس والمستخدمين ودهشتهم إزاء ما يحدث ويشاهدون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن استياء المجتمع الأردني مما يحدث، فقد تفاجأ الكثيرون من دول عربية أخرى بالصورة التي تُنقل عن الأردن عبر هذه الخلافات، خاصة أنهم يعرفون الأردنيين من خلال احتكاكهم بهم كأشخاص مثقفين، ومهذبين، يراعون العادات والتقاليد والذوقيات، والآداب العامة.
وفي ذلك يُعلق المواطن الخليجي سليمان عما يشاهد من تصريحات بعض المشاهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي "صراحة، دائماً نشهد أن الأردن بلد هادئ وشعبه محترم، لكن الفيديوهات المنتشرة على السوشيال ميديا تخليك مستغرب، وبتعطي صورة سلبية عن البلد، ما تخيلنا هيك مستوى في الكلام من أردني وعمرنا ما شفنا من هالشعب بتعاملنا الحياتي معهم إلا الحشمة والطيب والله ما نسمع ونرى من بعض مشاهير فعلاً غريب وما أحد يردعهم."
بينما شاركت المواطنة الخليجيّة نورة رأيها "الغريب هجوم أبناء البلد الواحد على بعض، كنا نفكر بالبداية مزح لكن طلع جد، بس حتى أسلوب المزاح عندهم مليان تنمر وتجريح واستهزاء وإهانات ليست معقولة حتى على عادات وتقاليد البلد وكإنهم من بلد آخر."
فيما يشارك هادي من لبنان بتعليق حول ما يسمع ويرى: "كل ما نفتح السوشيال ميديا منلاقي فضيحة جديدة، هيدا شي كتير غريب، خصوصاً إن الأردنيين اللي منعرفن هنّي أرقى ناس، هالشي بيخلينا نسأل حالنا، هل هي صورة حقيقية عن المجتمع أم مجرد أشخاص صار عندن متابعين بسبب المحتوى الهابط وصارو يشوهو صورة بلد وسمعة ناسه."
وأخيراً، شاركت المصرية منّة وجهة نظرها بما يحدث: "المهزلة اللي بتحصل دي من المشاهير لازم يتحطلها حد، زي ما حصل أخيراً عندنا في مصر، لأن التجاوزات إللي طلعت من مشاهير عندنا كانت حتخرب سمعة بلد بحاله، والأردن لازم تعمل كده عشان تحمي صورتها من ناس لا تمثله وكل همها الفلوس والشهرة."
في حين أنَّ هذه الخلافات لا تؤثر فقط على سمعة الأردن الخارجية، بل تثير قلقاً داخلياً أيضاً، وفي هذا الصدد؛ يقول المواطن الأردني محمد "الناس بطلت تحكي إلا بمشاكل المشاهير، هذا الموضوع بلهينا عن القضايا الأهم مثل الاقتصاد والتعليم، وبعطي صورة إن مجتمعنا سطحي وما بهتم إلا بالفضايح."
بينما تقول هدى: " أنا كأم أردنية خوفي على أولادي من متابعة هيك محتوى، بيتعلموا لغة الشارع، وبيفكروا إن الشتائم والعنف اللفظي وفضح الناس وقذفهم شي طبيعي، والأهل لازم يكونوا أكثر رقابة على اللي بيحضروه أولادهم على السوشيال ميديا بسبب هيك نماذج صارو مشاهير."
في حين تقول هبة حول هذا الموضوع" شو فارق معنا خليهم يحكو هينا بنتسلى ومنسمع والحلو بالموضوع مش قادرين نميز مين صادق ومين كذاب وكله بحكي إنه مظلوم بس هينا منسمع شو ورانا مين إحنا لنحاسبهم يعني."
وعبرت الطالبة الجامعية حلا عن رأيها قائلة: "هذه مش حرية شخصية ولا حياة خاصة للمشاهير، هذه فضائح وهتك أعراض بدون رقيب أو حسيب، ما في قانون يوقفهم عند حدهم؟ سمعة الأردن أكبر من خلافاتهم والترند إللي راكبينه عشان الشهرة والفلوس."
وأخيراً، تقول المواطنة لين المقيمة في الولايات المتحدة "بحياتي ماتوقعت أشوف هيك صراعات بين اللي اسمهم مشاهير بالأردن، مستوى غريب ومنحط وكل العرب عنا بحكو فيه وبسألوعنه ليش الأردنيين هيك؟ ومعقول ما حد بحاسبهم ولا بسألهم؟ هاي مش حرية شخصية هاي فضايح لفت العالم وشوهت سمعتنا ببلاد الغرب حتى بدون ذنب منا، بكل العالم في مؤثرين بس ولا حد عمل زي مابعملو اللي عنا."
إلا أنَّ هذه الخلافات ليست مجرد صراعات عابرة، بل هي ظاهرة ذات أبعاد أعمق؛ فمن الناحية الاقتصادية، تسعى هذه الشخصيات إلى خلق محتوى مثير للجدل لزيادة التفاعل والمشاهدات والوصول للجمهور والمتابعين وظهورهم تحت بند "discover" أو "Explore" ، مما يزيد من أرباحهم من الإعلانات وتعاون بعض الشركات والمعلنين والمسوقين معهم، أو حتى التسويق لمنتجاتهم وعلاماتهم التجارية الخاصة؛ الأمر الذي يدفع بعض المشاهير لاستغلال كل ما يجري في حياتهم لصناعة محتوى مثير للفضول حتى لو كان هذا المحتوى هو حياتهم الأسريّة الخاصة، أو سمعة أطفالهم وحياتهم ومستقبلهم، لتتحول هذه القصص والمشاحنات إلى مصدر دخلٍ كبير يُغني الكثير منهم عن الكد والجهد والتعب؛ وهذا بطبيعة الحال يقتل مفهوم الخصوصية ويجعل هؤلاء الأشخاص مع مجتمعٍ بأكمله عرضةً للانتقاد والتعليقات السلبية.
وفي هذا السياق، تقع مسؤولية الشركات المعلنة التي تدعم هذا المحتوى، حيث إن استمرارها في تمويل هؤلاء الأشخاص والتعاون معهم يجعلها شريكة في نشر المحتوى المسيء، مما قد يؤثر على سمعة علاماتها التجارية ويجعلها في موضع مساءلة أخلاقية واجتماعية، مما يجعل هذا الأمر يعود عليهم بصورةٍ عكسيّة.
ومن الناحية النفسيّة، لتأثير هذه الخلافات والصراعات بين المشاهير، عليهم أنفسهم وعلى الناس، وفي ذلك تقول الأخصائيّة النفسيّة الدكتورة شادية خريسات: حين تندلع الخلافات بين المشاهير وتتصدر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، فإنها لا تبقى مجرد أحداث عابرة للمتعة، بل تترك آثاراً نفسية واضحة على الطرفين، فالمشاهير يعيشون تحت ضغط كبير، يخشون فيه على صورتهم وسمعتهم أمام الجمهور، وقد يشعرون بالقلق أو الاستنزاف العاطفي نتيجة هذا الانكشاف المستمر، أما المتابعين، خاصة من يرتبطون عاطفياً بمشاهيرهم المفضلين، فيجدون أنفسهم منقسمين بين التأييد والرفض، وقد يدخلون في جدالات حادة تنعكس على حياتهم اليومية وعلاقاتهم بالآخرين، ومع تكرار هذه المشادات، قد يُطبع في الوعي الجمعي أن السلوك السلبي أمر طبيعي، مما يزيد من التوتر داخل المجتمع، ومن هنا، فإن هذه الأحداث تذكير بأن وراء الشهرة أشخاصاً حقيقيين بمشاعرهم وتجاربهم، وأن التعامل الواعي مع هذه الخلافات ضرورة لحماية السلام النفسي للأفراد والمجتمع.
أما من الجانب القانوني، يبيّن أستاذ القانون الجنائي والخبير في الجرائم الإلكترونيّة، وعضو اللجنة الوطنيّة للسلامة الرقميّة الدكتور أشرف الراعي في هذا الشأن؛ لا يوجد لغاية الآن قانون يتعلّق بالمشاهير حصراً، فهم يخضعون كأي مواطن أردني لقانون الجرائم الإلكترونيّة وفقاً لبنوده، مع ضرورة الانتباه للتمييز بين الصحفي المشهور أو المعروف والذي يعمل ضمن مظلة مؤسسة مهنية أو نقابة الصحفيين؛ ويخضع لقانون المطبوعات والنشر، وقانون نقابة الصحفيين، وميثاق الشرف الصحفي، والمشاهير العاديين من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ولديهم قاعدة متابعين، فهم يخضعون فقط لقانون الجرائم الإلكترونيّة.
وتابع الراعي كلامه " هذا الموضوع هو موضع نقاش مستمر وحثيث في الأردن، حيث لا بد من استحداث آليات وإجراءات للحفاظ على السلامة الرقميّة، لأنَّ هذا المحتوى يدخل للبيوت، وينتشر حول العالم عبر المنصات الرقميّة، وهذا بالتأكيد يؤثّر على صورة الأردن ويعكس سلوك غير سوي لأبنائه، وهم منهم براء، حيث أننا بلد مسلم تحكمه عادات وتقاليد وضوابط الإسلام، وقواعد قانونيّة متينة."
وختم الراعي كلامه مشدداً على أهميّة التوعية في هذا المجال من جانب المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، والمدارس، والمتخصصين؛ كالإعلاميين والصحفيين، والقانونيين، والأكاديميين، مشيراً لأهميّة التوعية في هذا الجانب بكون التوعية أهم من الضبط القانوني، فالدولة لن تتمكن من وضع شرطي على كل مواطن، لكنها تستطيع ضبط الموضوع من خلال المساهمة في بناء مجتمع واعٍ."
وفي إطار ما سبق، ندعو أن تكون هذه الخلافات خاضعة للمساءلة بموجب قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يُعنى بالتشهير والذم، مع أهميّة توسيع إطاره القانوني، وتحديد بعض البنود لتشمل لوائح وبنود قانونيّة تُشكّل قيوداً وثيقة ضد المستخدمين الرقميين لا سيّما الذين يمتلكون قاعدة كبيرة من المتابعين ويستغلونها بنشر محتوى غير هادف من شأنه تهديد سمعة الوطن وأبنائه وتشويه صورتهم، تحت ذريعة الحريّة الشخصيّة وحريّة التعبير؛ حيث يجب على الأطراف المتنازعة أن تعي أنَّ حريّة التعبير ليست مطلقة، وأن هناك حدوداً يجب عدم تجاوزها لتفادي العقوبات القانونية. وباختصار، فإنَّ هذه القضية ليست مجرد "خناقة" أو "هوشة" بين مشاهير، بل هي دعوة للتفكير في كيفية استخدام الفضاء الرقمي بشكل مسؤول، وحماية سمعة الأردن التي قد تتأثر بشكل مباشر بسبب محتوى سلبي وغير لائق.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-09-2025 10:26 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |