بقلم : موفق عبدالحليم ابودلبوح
تمثل البادية الشمالية وطننا الحبيب منطقة استراتيجية ذات أهمية اقتصادية كبيرة، لما تمتلكه من موارد طبيعية وإمكانات بشرية، إلى جانب موقعها الجغرافي المتميز ورغم التحديات الهيكلية والمناخية التي تواجهها، تظل هذه المنطقة حاضنة لفرص تنموية استثنائية يمكن استثمارها ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة تُحسّن ظروف السكان وترتقي بالاقتصاد الوطني.
تحديات متشابكة وفرص متجددة : تتسم البادية الشمالية بخصائص اجتماعية واقتصادية معقدة تتداخل فيها عوامل التحدي والفرص ومن أبرز التحديات هي محدودية الموارد المائية التي تفرض قيودًا على القطاع الزراعي، وهو المصدر الرئيسي لدخل غالبية السكان ويرتبط هذا التحدي أيضًا بالتغيرات المناخية المتسارعة التي تزيد من وتيرة الجفاف والتصحر كما تعاني المنطقة من ضعف نسبي في البنية التحتية، سواء على صعيد شبكات النقل أو الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصحة والتعليم، مما يحد من قدرة السكان على الوصول إلى الأسواق وفرص العمل ويؤثر سلبًا على جذب الاستثمارات الخارجية والمحلية وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، مع وجود فجوات واضحة في التعليم والتدريب المهني، خصوصًا بين الشباب والنساء ، يضاف إلى ذلك الاعتماد الكبير على اقتصاد الريع الزراعي وتربية المواشي، ما يجعل السكان عرضة للتقلبات المناخية والاقتصادية، ويحد من تنوع مصادر الدخل وفرص التنمية الاقتصادية المستدامة.
آفاق التحول الاقتصادي والتنمية المستدامة
• الزراعة الذكية والمستدامة
في ظل قلة المياه، يُعتبر تبني نظم الري الحديثة مثل الري بالتنقيط واستخدام الطاقة الشمسية، إلى جانب تطوير الزراعة المحمية محورًا حيويًا لزيادة الإنتاجية الزراعية وتقليل الهدر كما يمكن توسيع الاستثمار في الزراعة العضوية والتقنيات الزراعية الدقيقة التي تتيح إدارة أفضل للموارد وتحسين جودة المحاصيل.
• تعزيز الاقتصاد التعاوني
يُعد الاقتصاد التعاوني أداة فعالة لتجميع الموارد وتقليل التكاليف، مع رفع فرص وصول المنتجات إلى الأسواق بشكل منظم و دعم تشكيل الجمعيات التعاونية المتخصصة في مجالات مثل تجفيف الخضار والفواكه، تصنيع مشتقات الألبان، وتربية النحل يُمكن أن يسهم في خلق سلسلة قيمة متكاملة تعود بالنفع المباشر على المجتمعات المحلية.
• السياحة البيئية والتراثية
تحتضن البادية الشمالية محميات طبيعية ونمط حياة بدوي غني بالتراث الثقافي ، والاستثمار في السياحة البيئية يمكن أن يخلق فرص عمل متنوعة ويعزز الوعي بالحفاظ على البيئة وتطوير البنية التحتية السياحية، إلى جانب تدريب السكان المحليين على خدمات الضيافة والسياحة، سيُسهم في تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية مستدامة ومميزة.
• الطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر
تتوفر في البادية الشمالية موارد شمسية ورياحية هائلة يمكن استثمارها في مشاريع الطاقة المتجددة، مما يقلل الاعتماد على الوقود ويخفض التكاليف التشغيلية للمشاريع الزراعية والصناعية كما يعزز ذلك التنمية الاقتصادية الخضراء ويحقق تنمية مستدامة بيئيًا.
• تطوير الثروة الحيوانية
تمتلك تربية المواشي مكانة تقليدية في الاقتصاد المحلي، ويحتاج هذا القطاع إلى تطوير عبر إدخال تقنيات تحسين السلالات، توفير خدمات بيطرية متقدمة، وإنشاء وحدات تصنيع وتغليف منتجات الألبان واللحوم، مما يعزز القيمة المضافة ويدعم استقرار الدخل للأسر المعتمدة على هذا القطاع.
استراتيجية تنموية متعددة الأبعاد لتحقيق التنمية المستدامة
لتحويل هذه الفرص إلى واقع ملموس، من الضروري تبني استراتيجية تنموية شاملة تقوم على المبادئ التالية:
• الاستثمار في البنية التحتية الحيوية: تطوير شبكات المياه، النقل والطاقة لضمان بيئة جاذبة للاستثمار وتسهيل حركة السلع والخدمات.
• تمكين رأس المال البشري: توجيه استثمارات كبيرة في التعليم والتدريب التقني والمهني، مع تركيز خاص على الفئات المهمشة كالنساء والشباب لرفع كفاءة القوة العاملة وتحفيز الابتكار وريادة الأعمال.
• تعزيز الحوكمة والتنسيق المؤسسي: تحسين إطار السياسات والتنظيمات لتيسير الاستثمار، وضمان الشفافية والمساءلة بالإضافة إلى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.
• دمج الاستدامة البيئية: تضمين مبادئ التنمية المستدامة في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ لضمان حماية الموارد الطبيعية وتحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.
• تطوير شبكات السوق والقيمة: من خلال بناء قدرات تسويقية وترويجية وربط المنتجين بالأسواق المحلية والإقليمية والدولية مع التركيز على الجودة والعلامات التجارية المحلية التي تعكس الهوية الثقافية.
ختاماً تمثل البادية الشمالية الأردنية فرصة استراتيجية للتنمية المستدامة لكنها تتطلب مقاربة شاملة ومتكاملة تجمع بين تطوير البنية التحتية، تمكين المجتمع المحلي وتنويع الاقتصاد عبر استثمار الفرص الواعدة في الزراعة الذكية، السياحة البيئية، والطاقات المتجددة ورغم وجود التحديات، إلا أنها ليست حواجز نهائية، بل حافز للابتكار والالتزام الحكومي والمجتمعي لبناء مستقبل اقتصادي قوي وشامل يضمن رفاهية سكان المنطقة وتنمية مستدامة للوطن.
موفق عبدالحليم ابودلبوح