حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,27 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 10186

زهير الشرمان يكتب: الاعتراف الغربي بفلسطين هل هو صحوة ضمير أم إعادة تموضع استراتيجي؟

زهير الشرمان يكتب: الاعتراف الغربي بفلسطين هل هو صحوة ضمير أم إعادة تموضع استراتيجي؟

زهير الشرمان يكتب: الاعتراف الغربي بفلسطين هل هو صحوة ضمير أم إعادة تموضع استراتيجي؟

25-09-2025 05:01 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : زهير عبدالله الشرمان
بعد أكثر من قرن على وعد بلفور الذي منح اليهود وطنا قوميا في فلسطين، جاء امس الإعلان الرسمي من عدة دول أوروبية بالاعتراف بدولة فلسطين ليشكل حدثا مفصليا
في مسار الصراع. هذا الاعتراف لم يكن يوما مطروحا بجدية في دوائر القرار الغربي، بل كان يستخدم كورقة ضغط سياسية دون ترجمة عملية. لكن ما الذي تغير حتى تقدم دول مركزية في أوروبا على هذه الخطوة الآن؟ وهل هو بالفعل صحوة ضمير متأخرة، ام إعادة تموضع براغماتي يفرضه الواقع؟

لا يمكن فهم اللحظة الراهنة بمعزل عن التاريخ. القوى ذاتها التي شرعنت المشروع الصهيوني هي التي تعلن اليوم اعترافها بفلسطين. المفارقة هنا تكشف التناقض: الغرب لم يكن يوما وسيطا محايدا، بل طرفا اصيلا في صناعة المأساة. وإذا كان وعد بلفور قد خدم حسابات السيطرة والنفوذ، فإن الاعتراف الحالي لا يخرج عن إطار الحسابات ذاتها، وإن تبدل شكلها.

المجازر المتكررة في غزة قلبت المزاج الشعبي الغربي. لم يعد بالإمكان تجاهل صور آلاف القتلى المدنيين، ولا تقارير الأمم المتحدة التي تصف الوضع بـالكارثة الإنسانية. اما الجامعات الأوروبية والأميركية فقد شهدت احتجاجات غير مسبوقة، والنقابات والبرلمانات الوطنية واجهت حكوماتها بأسئلة محرجة حول ازدواجية المعايير. هذا الضغط الشعبي تراكم حتى اجبر بعض الحكومات على التحرك لتجنب فقدان شرعيتها الأخلاقية امام مواطنيها.

الحرب الممتدة على غزة كشفت ان إسرائيل لم تعد "الجيش الذي لا يقهر". فشلها في تحقيق اهدافها، واستمرار المقاومة رغم الحصار والقصف، اضر بصورة الردع التي قامت عليها شرعية إسرائيل الأمنية. بالنسبة للغرب، لم يعد من الممكن تسويق إسرائيل كركيزة استقرار في المنطقة. الاعتراف بفلسطين جاء ليعيد بعض التوازن الرمزي في مشهد اختل لمصلحة طرف محاصر لكنه صامد.

الاعتراف ليس قرارا داخليا فحسب، بل جزء من مشهد عالمي اوسع. مع صعود الصين وروسيا وتوسع نفوذهما في الشرق الأوسط، تخشى أوروبا من فقدان المزيد من المساحة امام منافسين جيوسياسيين. الاعتراف بفلسطين يقدم هنا كرسالة مزدوجة: اولا لشعوب المنطقة بان الغرب ما زال قادرا على تقديم "حلول عادلة"، وثانيا للمحور الشرقي بان الساحة العربية ليست متروكة بالكامل له. انه في جوهره خطوة دفاعية لحماية النفوذ الغربي، اكثر من كونه اعترافا نابعا من قناعة بالحقوق الفلسطينية.

صحيح ان الاعتراف يعد مكسبا سياسيا ومعنويا للفلسطينيين، لكنه لا يعني بالضرورة تغييرا جذريا على الأرض. فإسرائيل لا تزال تحتل وتسيطر وتفرض وقائع يومية، والولايات المتحدة – اللاعب الأكبر – لم تلتحق بعد بهذا المسار. التجربة التاريخية مع "حل الدولتين" تؤكد ان الغرب بارع في إدارة الصراع اكثر من حله. الاعتراف قد يمنح الفلسطينيين شرعية قانونية اوسع في المحافل الدولية، لكنه لا يفرض انسحابا ولا يعيد اللاجئين ولا يوقف الاستيطان.

هذا القرار يمنح الحكومات الأوروبية جملة من الفوائد. فهو يحسن صورتها الأخلاقية بعد ان اهتزت بشدة جراء دعمها الأعمى لإسرائيل في الحرب، ويساعدها على تسكين الغضب الشعبي الداخلي وامتصاص موجة الاحتجاجات المتصاعدة. كما يعيد إحياء خطاب "حل الدولتين" بوصفه مخرجا سياسيا يضمن بقاء إسرائيل ويمنح الفلسطينيين حدا ادنى من السيادة الشكلية، ويقطع الطريق على المنافسين الدوليين عبر استعادة بعض الشرعية المفقودة في المنطقة.

الاعتراف الغربي بفلسطين امس حدث مهم بلا شك، لكنه لا يمكن اعتباره انقلابا في الموقف بقدر ما هو تعديل اضطراري في الاستراتيجية. انه اعتراف ولد من رحم الضغط المقاومة الشعبية، ومن ازمة إسرائيلية داخلية وخارجية، ومن تحولات النظام الدولي. لذلك، فهو اعتراف اضطرار لا اعتراف اختيار. ما زال الطريق طويلا نحو اعتراف كامل بالحقوق التاريخية للفلسطينيين، لكن اللحظة تكشف ان ميزان القوى بدأ يتحرك، وان ما كان يوما مستحيلا اصبح امرا واقعا بفعل الدم والميدان وصمود الضحية، لا بفعل صحوة الضمير الغربي.











طباعة
  • المشاهدات: 10186
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
25-09-2025 05:01 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم