13-09-2025 10:49 AM
بقلم : د. صبري راضي درادكة
منذ أن أُطلق منهاج جيل 2008 عبر وزارة التربية والتعليم والمركز الوطني لتطوير المناهج، ظهرت أصوات متباينة في تقييمه. البعض رأى فيه نقلة نوعية نحو مزيد من التحديث والانفتاح على معارف جديدة، فيما وجد فيه آخرون نموذجاً للمبالغة في الطموح على حساب قدرات الطلبة وطاقاتهم الاستيعابية.
المفارقة الكبرى أن ما كان يدرسه طلبة جيل 2007 خلال عام دراسي كامل، سواء في مادة الكيمياء أو اللغة الإنجليزية، أصبح طلبة جيل 2008 يدرسونه في فصل واحد فقط. هذا التكديس لم يترك للطالب فرصة كافية للاستيعاب أو التعمق، ولا للمعلم متسعاً لتبسيط المعلومة أو مراجعتها بشكل يضمن الفهم الحقيقي.
ولن يتمكن المعلم، مهما بلغت كفاءته، من إنجاز هذه المواد الضخمة كما ينبغي، وإن أنجزها فسوف تكون عملية تعليم سريعة ومختزلة لا تعطي المعرفة حقها، وكأنها "سلق للمعلومة" يضع الطالب في نهاية المطاف أمام المجهول. لذلك فإن الوزارة مطالبة باتخاذ قرار سريع لمصلحة الطلبة، يقوم على تقليص حجم المادة إلى النصف، إذ لم يعد مقنعاً الاكتفاء بالقول إن الطلبة يتقدمون لأربع مواد فقط، بينما وزن تلك المواد ومحتواها المكثف يفوق عبء ثماني مواد كاملة.
إن المنهاج ليس مجرد محتوى معرفي يُحمّل للطلبة، بل هو عملية متوازنة بين الكمّ والنوع، بين التدرّج والنتائج. حين يختل هذا التوازن، تتحول العملية التعليمية إلى سباق مرهق يستهلك جهد الطالب والمعلم معاً، ويُفرغ التعلم من قيمته التراكمية.
الطموح في تطوير المناهج أمر محمود وضروري لمواكبة العالم، لكن المبالغة في الحِمل التعليمي دون دراسة لقدرة الطالب على الاستيعاب قد تقود إلى نتائج عكسية، أهمها ضعف الفهم وتراجع الدافعية للتعلم. من هنا، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في فلسفة بناء المناهج، بحيث تستند إلى التدرج، وتراعي الفروق الفردية، وتضع الجودة والفهم العميق فوق حسابات الكمّ والإنجاز السريع.
وما لا نرجوه من وزارة التربية والتعليم والمركز الوطني لتطوير المناهج أن يطول الانتظار حتى يُتخذ القرار، فيكون الإصلاح قد جاء متأخراً، وحينها ينطبق المثل القائل: "فات الفوت وبطل الصوت".
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-09-2025 10:49 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |