09-09-2025 08:26 AM
بقلم : تمارا خزوز
أزعم أن الإعلامي المغربي المخضرم بدر الدين الصائغ قد نجح في توثيق لحظات مفصلية من تاريخ الأردن في برنامجه "وفي رواية أخرى"، بمستوى لم يبلغه الإعلام الأردني – بمنصاته التقليدية والرقمية – على الأقل حتى اليوم، عندما طرح عناوين ثقيلة بثقل ضيوفه، وأتقن إدارة الحوار وإدارة الصمت.
من بين الضيوف الذين حاورهم الصائغ: رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، ورئيس الوزراء الأسبق ومدير المخابرات العامة أحمد عبيدات، ورئيس الوزراء الأسبق عبد السلام المجالي، إلى جانب عدنان أبو عودة بصفته مستشارا سياسيا لجلالة الملك الراحل الحسين، والشيخ حمزة منصور بصفته الأمين العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين.
مناسبة هذا الحديث متابعتي الحلقات الست مع دولة أحمد عبيدات، التي عُرضت على شاشة التلفزيون العربي، إضافة إلى جزء من سلسلة مقابلات أخرى مع دولة عبد الرؤوف الروابدة.
حلقات عبيدات تضمّنت شهادات نادرة وأحداثًا مفصلية، فتحت ملفات بالغة الحساسية؛ من خفايا تأسيس جهاز المخابرات الأردنية، إلى كشف تفاصيل جديدة حول اغتيال وصفي التل في القاهرة عام 1971، مرورا بعلاقة الملك الحسين بصدام حسين وحافظ الأسد وياسر عرفات، ومحاولته لقاء الإمام الخميني في باريس، وتوجس الملك الحسين من مآلات الثورة الإيرانية واستشرافه لنتائجها على المنطقة، وصولا إلى اتفاقية وادي عربة.
لا يمكن أن تُوصَف هذه الحلقات إلا بأنها دروس في فن الإجابة يقدّمها رجل مخابرات سابق، تعامل معها الصائغ بمعلَمية صحفية تليق بمحتوى سياسي بهذا العمق. وقد تجلّت هذه الديناميكية بوضوح عندما حاول المذيع النبش في خلفية العلاقة بين حكومة عبيدات والقصر، فكشفت الإجابات عن التوازن الدقيق الذي يحكم العلاقة بين كاريزما الملك الراحل ومهنية رجل الدولة من الطراز الرفيع.
ولو كنت في غرفة التحرير لاخترت برومو الحلقة ذلك المقطع الذي قال فيه عبيدات: "إن رئيس الحكومة في الأردن هو الذي يستطيع أن يقتنص شيئا من ولايته العامة بحكم تكوينه وقدراته الخاصة والثقل الذي يُمارس فيه هذه الولاية."
لم يكن المحتوى الذي قدّمه الروابدة أقل ثِقلاً بدهائه وحنكته السياسية عمّا قدّمه عبيدات، وإن اختلف الأسلوب والتوجّه بطبيعة الحال. وعندما استأذنه الصائغ لفتح ملف وصفه بـ"الحساس" – ويقصد العلاقة مع حماس – أجابه الروابدة بكل هدوء: "ليس حساسًا"، مضيفًا أنه "لم يُجرَ أي اتفاق بين الحكومة الأردنية وحركة حماس بأي صيغة من الصيغ. اللقاء مع حماس كان مع الأجهزة الأمنية، وكان الاتفاق أن يعملوا في حقول سياسية، وألا تُنشر أي إجراءات عسكرية، وألا يكون لهم أي دور على الساحة الأردنية."
في الجزء الثالث، حملت الدقائق ما بين السادسة وحتى الثانية عشرة، بشكل مكثّف، ما يمكن تسميته إطارًا سياسيًا وقانونيًا للإجابة عن طبيعة وخلفية قرار "إبعاد حماس" الذي اتُّخذ في عهد حكومة الروابدة. وخلال هذه الدقائق تفرّد الروابدة بإجابات اتسمت بالدهاء السياسي المعروف عنه، وفوّت على الصائغ فرصة أن ينتزع منه، في معرض المقاطعة الكلامية، كلامًا لم يقله.
هذه المقابلات ضمّت مقاطع مدوّية كان يمكن اجتزاؤها وتوظيفها بطريقة غير مهنية لإشعال جدل واسع في الدوائر السياسية في عمّان، غير أن نباهة الضيوف واحترافية المذيع قدّمت للمشاهد وجبة توثيقية دسمة، بعيدة عن الاستسهال والبحث عن "التريند". وهكذا نستطيع القول إن رواية الحلقات بهذا الشكل هي الأصل، فيما بقي ما عداها روايات أخرى.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-09-2025 08:26 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |