25-08-2025 09:02 AM
بقلم : نادية سعدالدين
لا مكان «لحل الدولتين» في عقلية «نتنياهو» المتطرفة، لأن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف تعني نهاية المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة. لهذا يُسارع الساسة الصهاينة في تثبيت إجراءاتهم العدوانية والتهويدية المُقوضة للحق الفلسطيني المنشود، لأنهم يدركون جيداً أن مسار كيانهم الافتراضي ليس حتمياً.
ورغم حالة إجماع المجتمع الدولي على «حل الدولتين» كخيار إستراتيجي أوحد لإنهاء الصراع العربي – الصهيوني، لكنه لا يملك أي آلية لفرضه على الكيان المُحتل، كما أن القيادة الفلسطينية لا تتبنى موقفاً نضالياً مثابراً في استثماره على الساحة الدولية، أو ساحة المؤسسات الدولية، لربما بسبب تجنب الدخول في مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، ومن ورائه الولايات المتحدة.
وتصطدم جهود «حل الدولتين» النشطة حالياً بالتيار اليميني والديني الصهيوني المتشدد الذي يتصدر واجهة المشهد السياسي الراهن بالكيان المُحتل، برؤيته المتطرفة المطالبة بمزاعم «أرض إسرائيل الكبرى» أو «التاريخية» أو «التوراتية»، وكلها مُسميات زائفة تكشف عن النزعة التوسعية وتدعي بالأحقية التاريخية والدينية الصهيونية المزعومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة الكاملة، وفي أجزاء شاسعة من دول المنطقة.
ولا شك أن ذلك يهدم بالضرورة كل مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة، عند رفض؛ الانسحاب للرابع من يونيو 1967، وتقسيم القدس باعتبارها «العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل» المزعومة، وتفكيك أو إزالة المستوطنات، وحق العودة. فيما تطالب الأحزاب الدينية الحريدية المتطرفة بدفع الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948 للهجرة، سواء قسراً أم «طوعاً»، وفق مزاعمها.
ويُعد ادعاء ما يسمى باليسار الصهيوني التصالح مع فكرة إقامة دولة فلسطينية، بمثابة تجميل «الوجه القبيح» للكيان المُحتل، لأنه يرفض تقديم تنازلات تتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة اللازمة لإقامة الدولة، وسط تغييرات دائمة فيها لا يمكن أن تؤدي معها إلى دولة.
ولا قيمة تُذكر لتشدق بعض الساسة الصهاينة بإقامة الدولة الفلسطينية، أسوة بالصهيوني «أرئيل شارون» عام 2001، كما لا يُعبر عن تغير في المواقف أو اعتراف بالحق الفلسطيني، وإنما لادراكهم أنها النتيجة المتحصلة من عدم إمكانية طرد الفلسطينيين في عملية تهجير جديدة ولاستحالة ضمهم إلى الكيان الصهيوني، شريطة أن لا تخرج عن إطار حكم ذاتي منقوص السيادة ومنزوح السلاح ضمن أصغر رقعة جغرافية، مقابل التنازل عن القدس، والمسجد الأقصى المبارك، والاعتراف «بيهودية الدولة» المزعومة، وهو أمر مرفوض فلسطينياً وعربياً وإسلامياً.
ولا يُعد بديل «حل الدولتين» عند «نتنياهو»، وأقرانه المستوطنين، حلاً بالضرورة، بل واقع سياسي يتمثل في استمرار الاستيطان وضم الجزء الأكبر من المنطقة «ج» للكيان المُحتل، والحفاظ على سلطة فلسطينية منقوصة السيادة في الضفة الغربية، وسيطرة أمنية صهيونية في قطاع غزة، كهدف مرحلي لقضم كامل الأرض الفلسطينية بدون أصحاب الأرض الفلسطينيين.
أما «حل الدولة الواحدة» فإنه يعد نقيضاً لركائز المشروع الصهيوني، وهاجساً لمنظور الكيان المُحتل، لاسيما البعد الديمغرافي منه، ولكن سياسته قد تدفع بهذا الاتجاه. ومن هنا تسعى سلطات الاحتلال لإبعاد شبحه عن طريق الاستيطان، ومصادرة الأراضي، وطرح مشروع ضم الضفة الغربية للسيادة الصهيونية.
لم يعد «حل الدولتين» ممكناً اليوم؛ فالواقع الميداني يجعل من إقامة الدولة الفلسطينية أمراً مستحيلاً، كما لا تسمح موازين القوى السائدة لها بالتحقق الفعلي، حيث سيكون الحل النهائي مواجهة بين موقف دولي ينادي بإقامة دولة فلسطينية من ناحية، وواقع ميداني يجعل تنفيذ ذلك مستحيلاً من الناحية الأخرى، إذ سيضغط الكيان المُحتل تدريجياً، مدعوماً بالإدارة الأميركية، تجاه جعل حل القضية الفلسطينية على حساب الدول المجاورة، لاسيما الأردن ومصر، وعبر خنق اقتصادي في الضفة الغربية واستمرار حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، وتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين، وفق المخطط الصهيوني التوسعي.
وفي ظل ما يعتقده «نتنياهو» بفرصة سانحة لترسيخ الوقائع المُغايرة والمُنتهكة لقرارات الشرعية الدولية وللقانون الدولي، وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، لتحقيق «حلم» تحويل الكيان المُحتل إلى «الدولة المركز» إقليمياً، على حساب دول الجوار؛ فإن جهود إقامة الدولة الفلسطينية ستتلاشى، ما لم يتم إزالة المعوقات بتفكيك الكيان الصهيوني نهائياً، وما دون ذلك، سيبقى الحق الفلسطيني المنشود مُؤجلاً.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-08-2025 09:02 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |