حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,31 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2588

تهاني روحي تكتب: هل تدان المرأة قبل أن تسأل عن جرحها النفسي؟

تهاني روحي تكتب: هل تدان المرأة قبل أن تسأل عن جرحها النفسي؟

تهاني روحي تكتب: هل تدان المرأة قبل أن تسأل عن جرحها النفسي؟

30-07-2025 08:32 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم :
سرايا - في الأردن تُعد عقوبة الإعدام أشدّ العقوبات الجنائية، وقد قدّم مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان دراسة نقدية عميقة تسعى إلى تحليل العلاقة بين النظام القضائي والجندر، من خلال النظر في مسارات المحاكمة والتنفيذ لدى النساء المحكومات بالإعدام. وتنطلق الدراسة من فهم أن العدالة في هذه القضايا لا يمكن تقييمها عبر الإطار القانوني وحده، بل يجب النظر أيضًا في السياقات الاجتماعية والنفسية والعائلية التي ترافق حياة المتهمة قبل صدور الحكم، خصوصًا في حال تعرضت لضغوط جندرية مزدوجة لم تحظَ بالاهتمام الكافي داخل مؤسسات العدالة.


أظهرت الدراسة أن غالبية النساء المحكومات بالإعدام في الأردن ينتمين إلى فئات اجتماعية فقيرة وأمية، ويعشن في بيئات قد تعرضهن لعنف اقتصادي أو عائلي أو ضغوط اجتماعية حادة. وفي ظل هذه الظروف، قد يرتكبن أفعالًا جنائية نتيجة لحالات انتقام أو دفاع عن النفس أو تمرد على التمييز، لكن النظام القضائي لا يأخذ بعين الاعتبار حالتهن النفسية أو السياق العائلي عند إصدار الحكم. العلاقة الأسرية غالبًا ما تُبطِق على المرأة توقعات صارمة مرتبطة بالسلوك والفضيلة، وعندما تخرج عن إطار هذه التوقعات يجب ان تنال العقاب الشديد، دون التفات إلى الضغوط التي دفعتها إلى الفعل.
في كثير من القضايا، تقف تضارب الضغوط النفسية المستمرة وراء الجريمة؛ صدمات طويلة، عنف جسدي أو جنسي، أو ثقافة العيب التي تشجع على الصمت والخضوع. ومع ذلك، تُعالج هذه الجرائم بلا أي محاولة جادة لفهم خلفيات الحالة النفسية أو التاريخ العائلي المعقّد، ما يؤدي إلى إصدار أحكام جافة تفتقد إلى رؤية إنسانية شمولية
ويبرز التحليل أن النظرة العامة للنظام القضائي والرأي العام نحو المرأة التي تعرضت للعنف المنزلي قد تكون متحيزة، إذ تُحمّل المعتدى عليها مسؤولية ما تبقى من العنف، بينما يُمنح الجاني الحق في التخفيف أو التبرير عبر تفسيرات ثقافية مثل “القضاء على الشرف”. وبالرغم من أن المادة 340 من قانون العقوبات الأردني تمنح تخفيضًا في العقوبة بالجريمة المرتكبة بزعم “الشرف”، فإنها لا تمنح المرأة نفس الحماية النفسية أو القانونية، حتى في حال تعرضها للضغط أو الإساءة.
وتكشف الدراسة عن فجوات هيكلية واضحة داخل النظام القضائي: غياب تقييم نفسي رسمي خلال التحقيق أو المحاكمة، وغياب إدراك لحاجات النساء النفسية والاجتماعية الخاصة داخل المحاكم، بالإضافة إلى نقص مرافق إصلاح تتناسب مع هذه الاحتياجات. ويؤكد مركز عدالة أن هذه الثغرات تُبقي النساء المتهمات أسيرات منظومة قضائية لا تراعي خصوصيات النوع الاجتماعي، بل تتعامل معهن كأرقام بدون تقييم شامل.
ويشدّد عاصم ربابعة، المدير التنفيذي للمركز، على أن النساء المحكومات بالإعدام غالبًا ما يفتقرن إلى دعم قانوني فعّال؛ فهن من أسر فقيرة لا تمتلك موارد لتوظيف محامين مختصين أو الحصول على دعم نفسي واجتماعي. هذا الحرمان يُبعدهن عمّا يُفترض أن يكون حقًّا مشروعًا لهؤلاء المتهمات للدفاع عن أنفسهن، أو حتى الوصول إلى أحكام تخفيفية حين توفر الأدلة المسوغات لذلك.
كما تلقي الدراسة الضوء على غياب بيانات نوعية شفافة من النظام القضائي، إذ لا توجد إحصاءات دقيقة تفصّل عدد النساء المحكومات بالإعدام أو ظروفهن النفسية والاجتماعية، مما يمنع إصدار تحلیل حقوقي دقيق أو مساءلة عبر السياسات. في المقابل، يطالب المركز بتعديل التشريعات لتضمين معايير نوعية، وبإدراج التقييم النفسي والاجتماعي ضمن خطوات الإجراءات القضائية في القضايا الجنائية، وإعادة النظر في الحالات التي تنطوي على ضغوط اجتماعية أو عنف منزلي سابق.
اذن هناك أولويات واضحة للعدالة الجنائية الإنسانية، وتطبيق القانون وحده لا يكفي، بل يجب أن يُدمَج ضمنه فهم النوع الاجتماعي والاقتصادي والنفسي. كذلك إقامة مرافق إصلاح تراعي الاحتياجات النوعية للنساء، وتعديل بنود العنف الأسري وجريمة الشرف، هي خطوات أساسية نحو نظام يُسمّى “عدالة جندرية” تُرجِع للنساء الحق في أن يُنظر إليهن كضحايا ومتهمات على حد سواء، لا فقط كمجرمات يُنفذ فيهن القانون.
وفي النهاية، تفتح لنا هذه الدراسة التي أجراها مركز عدالة نافذة على تجربة إنسانية مُهملة داخل النظام الجنائي، فهل تمعّنا في صدى هذه الأصوات المضغوطة بالصدمات، المدفوعة بعنف منزلي أو ضغوط اجتماعية، قبل أن يُصدر القضاء حكمه؟ وها نحن، أمام سؤال: هل نحن بصدد تطبيق قانون فحسب، أم نحن بحاجة إلى استعادة رؤية العدالة التي تقترب من القصص المتشظية لأشخاص نُزعت عنهم إنسانيتهم؟


الغد











طباعة
  • المشاهدات: 2588
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
30-07-2025 08:32 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم