25-08-2025 09:00 AM
بقلم : جهاد المنسي
اقتربت الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين من بدايتها، وهذه المرة، يحمل المجلس على عاتقه مهمة أكبر من مجرد تشريع قوانين أو مراقبة حكومة؛ إنه أمام اختبار الثقة مع المواطن، وهي ثقة لم تعد سهلة المنال بعد سنين من الخيبات والتراجع.
فمنذ انتخابات المجلس الحالي، كانت التوقعات كبيرة، الناس أرادوا برلمانا مختلفا، يعكس روح الإصلاح السياسي والتحديث الذي رعاه رأس الدولة جلالة الملك، لكن التجربة الأولى لم تخلُ من إرباك وغياب، سواء على صعيد الكتل التي ما زالت تبحث عن توازنها، أو على صعيد الأداء الرقابي الذي لم يصل لمستوى طموح الشارع، لذلك تأتِ الدورة الثانية وكأنها امتحان إعادة الثقة، فإما أن يستعيد النواب حضورهم وثقة الناس، أو يتركوا الباب مفتوحًا لمزيد من الإحباط، وربما حل مجلسهم.
ماذا يريد المواطن، الجواب بسيط وواضح، مجلس نيابي يقف إلى جانبه، يسائل الحكومة بجرأة، يدافع عن مصالحه الاقتصادية والاجتماعية، ويشرع قوانين تعزز العدالة والشفافية، ولكن التجارب علمتنا أن بعض النواب يذوبون سريعا في معادلات المصالح الفردية أو الحسابات الضيقة، فيتحول المجلس من مؤسسة رقابية وتشريعية إلى ساحة خطابات لا تترك أثرا.
لا يمكن قراءة معادلات الدورة الثانية بمعزل عن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بوصفها جزءا من معادلة الاستقرار، فالتوازن هنا يقوم على تمكين النواب من القيام بدورهم، مقابل التزامهم بالعمل ضمن الأطر الدستورية بعيدا عن الشعبوية أو المزايدات، وحرص على ضبط إيقاع العلاقة، بحيث لا تنزلق لصدام حاد يضر بمسار الإصلاحات.
كما أن الأصل أن لا تتحول في الوقت نفسه تلك العلاقة لشكلية تخلو من الرقابة الحقيقية، ويكون هدفها استثمار قبة البرلمان لمزاودات وتصريحات من شانها توسيع الفجوة بين النائب والمواطن وليس تقريبها.
الحكومة بدورها لديها أدواتها القوية التي يمكن من خلالها تمكين النواب من القيام بدورهم، فوزير الشؤون السياسية والبرلمانية المحامي عبد المنعم العودات برلماني عريق، وسبق له أن ترأس المؤسسة التشريعية ويعرف كل التفاصيل والخبايا، واظهر خلال الدورة الأولى احتراما للدور الرقابي النيابي، وتعاون مع النواب بشكل لافت سواء من خلال حضور اجتماعات اللجان أو في مطارح ثانية، ولم يتردد في تقديم المعلومة بشفافية دون مماطلة، ونجح في إظهار تعاون مع المجلس، والمؤكد هنا أن ذاك سوف يستمر في الدورة الثانية.
ولهذا فان الكرة بكل استدارتها في مرمى النواب اللذين عليهم تحقيق التوازن في العلاقة بين السلطتين، والرقابة المطلوبة، والتشريع الذي يخدم الوطن والمواطن على حد سواء، ومن هنا تبدأ هجمة إعادة الثقة بالمؤسسة التشريعية.
لهذا كله فان الدورة المقبلة ستكشف الكثير، وسنعرف أن كنا سنرى مجلسًا يعيد الاعتبار لأدواته الدستورية، ومحاكاة قسوة الظروف المعيشية للناس والبحث عن حلول لها، أم أننا سنعود لسياسة الترضيات والتسويات التي تضعف المؤسسة التشريعية أمام الناس، أم سنظل نراوح مكاننا بين الوعود والخطابات؟
بالمختصر، فإن الدورة الثانية المقبلة والتي باتت على الأبواب لا يمكن النظر إليها كمجرد دورة عادية، إنها لحظة فاصلة قد تحدد صورة المجلس العشرين في ذاكرة الناس، بل قد تحدد صورة المؤسسة التشريعية كلها، من حيث الدخول في دورة ثالثة أو الاكتفاء بدورتين فقط، فإذا نجح النواب في تحويل دورتهم لمحطة إنجاز حقيقي، فإنهم سيعيدون بناء جسر الثقة المفقود، أما إذا أخفقوا، فإن ذلك يعني دراسة أسباب الخلل ومراجعة قوانين التحديث التي تم إقرارها سواء ما يتعلق بقانون الانتخاب أو الأحزاب او حتى التعديلات الدستورية، فالثقة لا تُمنح مجانًا، بل تُكتسب بالفعل والعمل، والدورة الثانية ستكون اللحظة الحاسمة لإثبات أن البرلمان يستحق أن يبقى ويستمر.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-08-2025 09:00 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |