حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,21 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3616

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: خدمة العلم والتمكين الدستوري للشباب

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: خدمة العلم والتمكين الدستوري للشباب

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: خدمة العلم والتمكين الدستوري للشباب

21-08-2025 09:30 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
إلى جانب الدفاع عن الوطن وتعزيز الهوية الأردنية كمرتكزين دستوريين لإعادة خدمة العلم، فإن هذا الإجراء يرتبط بأساس دستوري آخر يتمثل في تمكين الشباب ودعم قدراتهم وإبداعاتهم. فقد تضمنت التعديلات الدستورية لعام 2022 حكمًا مستحدثًا في المادة (6/7) من الدستور ينص صراحة على أن "تكفل الدولة ضمن حدود إمكانياتها تمكين الشباب في المساهمة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنمية قدراتهم ودعم إبداعاتهم وابتكاراتهم".

وتتعدد مظاهر الارتباط بين أداء خدمة العلم بمفهومها الجديد والإلزام الدستوري على الدولة بتمكين الشباب في الميادين الأساسية في المجتمع. ومن هنا، تبرز أهمية إعادة خدمة العلم كآلية عملية لتجسير العلاقة بين الواجب الوطني والحق الدستوري، بحيث تتحول من مجرد التزام عسكري إلى فرصة تمكينية شاملة.

فخدمة العلم تتقاطع مع التزام الدولة بتمكين الشباب على عدة مستويات، أبرزها تعزيز قيم الانتماء والمسؤولية. فالخدمة الوطنية ليست مجرد تدريب عسكري، بل هي مدرسة للانضباط والعمل الجماعي، واحترام القانون، وتعزيز قيم المواطنة. وهذه المبادئ جميعها تمثل الأساس في المشاركة الواعية في الحياة السياسية والاجتماعية.

وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن برامج التدريب المهني والتقني التي ستُقدَّم للشباب أثناء خدمة العلم ستمنحهم فرصة لاكتساب مهارات عملية يحتاجها سوق العمل، بما يسهم في معالجة البطالة وتعزيز الاعتماد على الذات. فالعلاقة بين خدمة العلم وتمكين الشباب اقتصاديًا واضحة وجلية؛ إذ يمكن تصميم برامج تدريبية خلال فترة الخدمة توفر للشباب تأهيلًا مهنيًا وتقنيًا مفيدًا لهم، فيتحول الواجب الوطني إلى أداة للتمكين الاقتصادي.

ولا يقل البعد الثقافي والسياسي أهمية عن الاقتصادي، إذ ستتيح خدمة العلم المجال لإعداد جيل من الشباب الأردني المتمكن في الجوانب السياسية والمدنية، وذلك من خلال إدخال برامج توعوية وتثقيفية خلال فترة الخدمة، تتناول مفهوم دولة القانون والديمقراطية الشعبية، وتعريف الشباب بحقوقهم وواجباتهم الدستورية، وأهمية المشاركة السياسية الواعية. وهذا من شأنه إعداد جيل واعٍ بقضاياه الوطنية، متمكن سياسيًا وثقافيًا إلى جانب التمكين الاقتصادي.

إن خدمة العلم ستكون مدخلًا أساسيًا لإعداد الشباب القادر على المشاركة الفاعلة في الحياة العامة، وذلك من خلال إدراج برامج تدريبية على أسس العمل الديمقراطي وآليات صنع القرار ومهارات الحوار واحترام الرأي الآخر. فالشاب الذي يمر بتجربة وطنية جامعة يتعلم فيها قيم المسؤولية والانضباط، سيكون أكثر استعدادًا للانخراط في الأحزاب والنقابات والعمل البرلماني. وهكذا تتحول خدمة العلم إلى حاضنة للتنشئة السياسية، تعزز من ثقة الشباب بأنفسهم وتؤهلهم ليكونوا شركاء حقيقيين في صياغة السياسات العامة وصنع المستقبل الوطني.

أما في الجانب الاجتماعي، فإن خدمة العلم ستسهم في تعزيز السلم المجتمعي من خلال اختيار الشباب الملتحقين بالبرنامج بشكل عشوائي من مختلف مناطق المملكة وشرائحها، بما يرسخ روح المواطنة الجامعة ويخفف من الانقسامات الاجتماعية والنزعات الجهوية أو الفئوية. وهو ما ينسجم مع التزام المشرع الدستوري بإلزام الدولة بتعزيز التماسك الاجتماعي ضمن إطار أوسع هو تمكين الشباب.

وعلى صعيد دعم القدرات والإبداع والابتكار، يمكن أن تشكل خدمة العلم منصة أولى لانطلاق الشباب، من خلال تصميم مسارات تُعنى بالريادة والابتكار والإبداع، لتصبح الخدمة بوابة لإطلاق طاقاتهم. فإذا ما رُبطت بعض جوانب الخدمة بمشاريع ابتكارية وريادية كالتدريب على التكنولوجيا أو الخدمة المجتمعية التطوعية، فستتحول إلى منبر لاكتشاف المواهب ورعايتها، بدلًا من أن تُختزل في كونها التزامًا عسكريًا.

إن إعادة خدمة العلم، التي سيتم توظيفها برؤية عصرية، ستشكل فرصة حقيقية لالتقاء الواجب الوطني بالالتزام الدستوري بتمكين الشباب؛ فهي أداة فاعلة للدفاع عن الوطن من جهة، ووسيلة لبناء جيل واعٍ بحقوقه، مؤهل لدخول سوق العمل، ومؤمن بوحدة مجتمعه، وهي المجالات الأساسية لتمكين الشباب التي ألزم بها المشرع الدستوري الدولة التزامًا أصيلًا.

وعليه، يكون القرار بإعادة خدمة العلم بمثابة اختبار عملي لمدى قدرة مؤسسات الدولة على تفعيل النصوص الدستورية وتحويلها إلى برامج واقعية. فالحكم الدستوري الوارد في المادة (6/7) لا يظل حبرًا على ورق إلا إذا ما جرى تفعيله من خلال السياسات العامة والتشريعات والبرامج التنفيذية، وهو ما يجعل من خدمة العلم نموذجًا حيًا لكيفية التقاء النصوص الدستورية بالسياسات العملية، وبخاصة في مجال تمكين الشباب.











طباعة
  • المشاهدات: 3616
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
21-08-2025 09:30 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم