حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,13 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4020

رؤية الأردن 2040… مقترح وطني يوحد الحلم والواقع

رؤية الأردن 2040… مقترح وطني يوحد الحلم والواقع

رؤية الأردن 2040… مقترح وطني يوحد الحلم والواقع

13-08-2025 12:15 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. مثقال القراله
يمر الأردن بمرحلة مفصلية من تاريخه التنموي، إذ تتزايد التحديات وتتسارع المتغيرات على المستويين الإقليمي والدولي، مما يجعل الحاجة إلى رؤية وطنية شاملة وطويلة المدى ضرورة لا خياراً. ومن هنا تبرز فكرة صياغة رؤية الأردن 2040، التي يمكن أن تكون الإطار الاستراتيجي الأوسع لتوحيد الجهود الوطنية، وربط الحاضر بالمستقبل، وبناء دولة مزدهرة قادرة على المنافسة في عالم سريع التغير. إن هذه الرؤية المقترحة ليست مجرد وثيقة رسمية، بل مشروع وطني يحدد ملامح الأردن في العقدين المقبلين، ويضع أسساً راسخة لتحقيق التنمية المستدامة في كل المجالات. إن أهمية هذه الرؤية تنبع من الواقع الذي يعيشه الأردن اليوم؛ موارد طبيعية محدودة، وشح مائي مزمن، وضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة، يقابلها ثروة بشرية شابة تشكل النسبة الأكبر من السكان، وطاقات إبداعية وعقول قادرة على الابتكار إذا أُتيحت لها الفرص. ومع أن الحكومة الأردنية أطلقت مبادرات مهمة مثل رؤية التحديث الاقتصادي 2023–2033، والاستراتيجية الوطنية للمياه 2023–2040، إلا أن الحاجة قائمة لوضع خطة متكاملة تشمل جميع القطاعات، وتستشرف ما بعد عام 2033، لضمان استمرارية النهج الإصلاحي وتوسيع نطاقه ليشمل أهدافًا أعمق وأبعد مدى.

يمكن أن ترتكز رؤية الأردن 2040 على خمسة محاور أساسية تتكامل فيما بينها. أول هذه المحاور يتمثل في التنمية العمرانية المستدامة، من خلال إنشاء مدن ذكية خضراء تعتمد على الطاقة النظيفة وأنظمة النقل المتطورة، وتوظيف التكنولوجيا في إدارة الموارد والخدمات، مع المضي قدماً في مشروع المدينة الجديدة الذي سيخفف الضغط السكاني عن عمان والزرقاء ويوفر بيئة حضرية متطورة تدعم الاقتصاد الوطني. أما المحور الثاني فهو تحقيق الأمن المائي، الذي يعد أحد أهم التحديات الوطنية، عبر التوسع في مشاريع تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية، وتطوير شبكات المياه للحد من الفاقد الكبير، وإعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة بما يضمن استدامة الموارد المائية للأجيال المقبلة.

المحور الثالث يتمثل في التحول الطاقي، بحيث يسعى الأردن إلى رفع نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني إلى أكثر من 50% بحلول عام 2040، مع بناء صناعات محلية متخصصة في إنتاج الألواح الشمسية ومعدات الطاقة النظيفة، بما يعزز الاكتفاء الذاتي ويفتح آفاقاً للتصدير. ويأتي المحور الرابع ليعزز الاقتصاد المعرفي والابتكار، عبر إنشاء مراكز بحثية متطورة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الطبية والصناعات الرقمية، وربط الجامعات بمؤسسات الإنتاج لضمان تطبيق نتائج الأبحاث على أرض الواقع وتحويلها إلى منتجات وخدمات تدر دخلاً وتخلق فرص عمل عالية القيمة. أما المحور الخامس فيركز على تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات، من خلال دعم قطاعات الزراعة الحديثة والصناعات التحويلية والسياحة المتخصصة والخدمات المالية، مع وضع سياسات جاذبة للاستثمارات الأجنبية، وتطوير البنية التحتية والقوانين لتوفير بيئة أعمال تنافسية.

وتنعكس هذه الرؤية على الاقتصاد الوطني من خلال تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية، وزيادة الصادرات، ورفع كفاءة البنية التحتية، وجذب استثمارات كبرى توفر فرص عمل، مع تخفيض فاتورة استيراد الطاقة بفضل التوسع في الطاقة المتجددة، وتحفيز الاقتصاد المعرفي الذي يفتح أسواقاً جديدة في مجالات التكنولوجيا والابتكار. وعلى مستوى الوطن، فإنها تعزز الاستقرار الاجتماعي وتحقق الأمن المائي والطاقي، وتمنح الأردن مكانة إقليمية متقدمة في مجالات الاقتصاد الأخضر والرقمي، مع الحفاظ على البيئة عبر الاعتماد على مصادر نظيفة وإدارة الموارد بكفاءة. أما المواطن، فيلمس أثرها من خلال تحسن جودة الحياة، وتوفر فرص عمل في قطاعات حديثة، وخدمات أفضل في الصحة والتعليم والنقل، وتكلفة معيشة أقل على المدى البعيد، وفرص متساوية في جميع المحافظات بفضل توزيع التنمية بعدالة.

ولضمان نجاح هذه الرؤية، يمكن تقسيمها إلى مرحلتين زمنيتين، الأولى من 2025 إلى 2033، والثانية من 2034 إلى 2040، على أن تتم إدارتها من قبل لجنة وطنية تضم ممثلين عن الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني. كما يجب أن تكون هناك مؤشرات أداء واضحة، وتقارير سنوية علنية لقياس التقدم وتحقيق الشفافية والمساءلة أمام المواطنين. أما التمويل فينبغي أن يعتمد على مزيج من الاستثمارات المحلية، والشراكات الدولية، والقروض التنموية الموجهة للمشاريع الاستراتيجية.

إن رؤية الأردن 2040، إذا ما تبنتها الدولة بجدية، يمكن أن تكون نقطة تحول حقيقية في مسار التنمية، وأن تضع المملكة على خارطة الدول التي تبني مستقبلها بثقة واستدامة. فهي ليست حلماً بعيد المنال، بل خطة واقعية تستفيد من نقاط القوة الوطنية، وتعالج التحديات بجرأة، وتفتح الباب أمام أجيال جديدة لتعيش في وطن أكثر ازدهاراً واستقراراً. إنها عقد وطني بين الدولة والمجتمع، ونداء إلى كل مواطن للمشاركة في صناعة الغد، نحو أردن يليق بأبنائه في عام 2040 وما بعده.








طباعة
  • المشاهدات: 4020
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
13-08-2025 12:15 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم