26-07-2025 01:00 PM
بقلم : روشان الكايد
في خطوة لا تقل خطورة عن إعلان القدس "عاصمة موحدة لإسرائيل"، عاد الكنيست الإسرائيلي ليُلوّح بمشروع قانون يقضي بضم غور الأردن وأجزاء واسعة من الضفة الغربية، في تحرك يعكس من جهة تصعيدا أيديولوجيا يمينيا متطرفا، ومن جهة أخرى إدراكا إسرائيليا بضعف الرد العربي والدولي في هذه المرحلة المفصلية .
ورغم أن الضم لم يُنفذ بعد، إلا أن مجرد طرحه للتصويت يُعد مؤشراً صارخاً على نوايا تل أبيب لتغيير قواعد اللعبة نهائياً، وفرض حل أحادي يتجاوز كافة المرجعيات الدولية، من اتفاقيات أوسلو إلى مبادرة السلام العربية .
الأردن في عين العاصفة
تاريخياً، شكل غور الأردن عمقا جيوسياسيا حيويا للدولة الأردنية، والسيطرة الإسرائيلية عليه تعني ببساطة "إلغاء أي جغرافيا حدودية فلسطينية"، وتحويل الأردن إلى الجهة الوحيدة المحاذية لكيان توسعي لا يعترف بالحدود ولا يلتزم بالمواثيق .
والأخطر من ذلك أن الضم قد يُعيد إلى الواجهة الهواجس الأردنية بشأن "الوطن البديل"، في ظل سيناريوهات ترحيل ناعمة أو صلبة للفلسطينيين نحو الشرق .
كما يشكّل الضم انتهاكا مباشرا لمعاهدة وادي عربة، ما يُحرج الدولة الأردنية أمام برلمانها وشعبها، ويدفعها للتفكير جديا في مراجعة العلاقة مع إسرائيل التي تُصرّ على التعامل مع الأردن كجار جغرافي فقط، لا كشريك سلام .
فلسطينيا، يُعد الضم إعلان وفاة رسمي لحل الدولتين، وإنهاء لما تبقى من أراضي الضفة القابلة للسيطرة الفلسطينية، وبتطبيقه تدخل السلطة الفلسطينية في مأزق وجودي ؛ فهي مطالبة بموقف سياسي وشعبي أكثر جذرية، وإلا ستفقد ما تبقى من شرعية .
ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الفلسطينيين، فإن أي خطوة أحادية من هذا النوع قد تُشعل موجة مقاومة جديدة، تختلف عن سابقاتها بأنها تأتي وسط قناعة متزايدة بأن "السلام انتهى"، وأن المجتمع الدولي غير معني فعليا بوقف الانتهاكات الإسرائيلية .
مأزق عربي متجدد
في الوقت الذي تسعى فيه عدة دول عربية نحو التطبيع أو توسيع العلاقات مع إسرائيل، يأتي مشروع الضم كصفعة سياسية تُظهر بوضوح أن "السلام مقابل السلام" هو مجرد وهم، وأن إسرائيل ماضية في مشروعها التوسعي دون اعتبار لأي اتفاقات أو تطمينات .
بل إن هذا المشروع يضرب جوهر مبادرة السلام العربية التي ربطت التطبيع بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة .
فكيف يمكن للدول العربية أن تُقنع شعوبها بجدوى السلام بينما تتبخر الأرض وتُقتل الدولة الفلسطينية المحتملة أمام أعين الجميع؟؟!
إن اختيار هذا التوقيت ليس اعتباطيا… فالساحة العربية غارقة في صراعات داخلية (من السودان إلى اليمن إلى لبنان وسوريا )، والاهتمام الدولي منصب على ساحات ملتهبة كأوكرانيا وتايوان، والولايات المتحدة لا تعرف للصداقة عنوان ، وهو ما يمنح إسرائيل نافذة زمنية مناسبة لفرض الوقائع .
في المقابل، يستثمر اليمين الإسرائيلي هذه الملفات لشد عصب جمهوره المتطرف، وتحقيق مكاسب سياسية داخلية، في ظل تصاعد أصوات تدعو لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل .
الختام : ما بعد الضم ليس كما قبله
إن خطورة المشروع المطروح لا تكمن فقط في آثاره القانونية أو السياسية، بل في تداعياته طويلة المدى على شكل المنطقة بأسرها .
فالضم يعني بالضرورة انتهاء مسار التسوية، واستدعاء سيناريوهات الصدام، وفتح جبهات قد تتجاوز الجغرافيا الفلسطينية لتطال الأمن الإقليمي بأكمله .
وفي وجه هذا المشروع، لا يكفي التنديد أو الاستنكار .
المطلوب هو بناء موقف عربي جامع، يعيد تعريف الأولويات، ويُحرّك الأدوات المتاحة سياسيا واقتصاديا وشعبيا، قبل أن نصحو على واقع جديد تكون فيه "فلسطين" خريطة من الماضي، و"الأردن" في مواجهة مستقبل غامض .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-07-2025 01:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |