حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,6 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7687

د. م. أمجد عودة الشباطات يكتب: تحرير الإسلام من القالب الحزبي .. واستعادته كقوة مجتمعية لا أداة صراع

د. م. أمجد عودة الشباطات يكتب: تحرير الإسلام من القالب الحزبي .. واستعادته كقوة مجتمعية لا أداة صراع

د. م. أمجد عودة الشباطات يكتب: تحرير الإسلام من القالب الحزبي ..  واستعادته كقوة مجتمعية لا أداة صراع

05-07-2025 03:20 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.م. أمجد عودة الشباطات
منذ سقوط آخر مظاهر النظام الإسلامي التقليدي، دخلت المجتمعات المسلمة مرحلة من التوتر بين الحنين إلى المرجعية الدينية والرغبة في مجاراة تحولات الدولة الحديثة. نشأت مبادرات عديدة لاستعادة الإسلام في المجال العام، بعضها تربوي أو اجتماعي، وبعضها تبنّى مقاربات سياسية، لكن معظمها تشارك في هدف واحد: أن لا يبقى الإسلام محصورًا في الشعائر الفردية، بل أن يعود كمنظومة قيمية تؤطر السلوك والنظام العام. إلا أن الطريق الذي سلكته هذه التجارب لم يكن واحدًا، ولا دائمًا موفقًا في تقدير مآلاته.

الخطأ البنيوي الأبرز كان في استباق المجتمع قبل إصلاحه، والقفز نحو أدوات السلطة دون ترسيخ القيم في الوعي الجمعي. وقد أدى ذلك إلى أن يصبح الدين مرتهنًا بمؤسسات سياسية، يُختزل ضمن مواقف ظرفية، ويُحمّل أوزار المناورات والتحالفات والاصطفافات، ما جعله عرضة للاستهداف الإعلامي والسياسي، بل والتجريم حين تقتضي الضرورات السلطوية ذلك. وبدل أن يكون الإسلام مرجعية موحدة، أصبح في نظر كثيرين طرفًا في نزاع، أو أداة تُستخدم ثم تُستبعد.

التجربة النبوية كانت تسير على خط مغاير تمامًا؛ بدأت بإصلاح الإنسان، لا بمواجهة الأنظمة، واستمرت في تعميق العقيدة داخل الفرد والمجتمع، حتى تهيأت الأرض لبناء دولة نابعة من وعي جديد لا مفروضة عليه. وعندما ظهر التباين في الرؤى بعد قيام الدولة، كان اختلافًا داخل الصبغة الإسلامية الجامعة، لا خروجًا عن الإطار الأخلاقي والمرجعي الذي تأسس منذ البدايات. لذلك حافظت تلك التجربة على وحدتها رغم التعدد، وعلى أثرها رغم الصراع.

أما في الواقع المعاصر، فقد زادت تعقيداته من هشاشة المشاريع التي حملت الخطاب الإسلامي إلى ساحة الحكم أو المواجهة، حيث اصطدمت بجدران الدولة العميقة، أو عجزت عن تلبية تطلعات الشعوب، أو تورطت في صراعات أنهكت مشروعها وقوّضت ثقة الناس بها. مع تكرار الانتكاسات، بدأت المجتمعات تُعيد ترتيب أولوياتها، وأخذت تنظر إلى الفاعل العام لا من زاوية خلفيته الأيديولوجية، بل من زاوية قدرته على تقديم حلول ملموسة، وضمان حقوق أساسية، وتحقيق حد أدنى من الكفاءة والنزاهة.

لقد أصبح من الواضح أن الصيغة التقليدية التي تربط المرجعية الدينية بالتموضع السياسي لم تعد قادرة على الاستمرار، لا لأنها تخلّت عن قيمها، بل لأنها لم تعد قادرة على التأثير بها ضمن بيئة تتغير بسرعة، ومجتمعات تسائل الفكرة من خلال النتائج لا النوايا. في المقابل، يتشكل بهدوء نموذج جديد، لا يعلن عن نفسه كحامل لواء ديني، لكنه يعمل بمنطق مأخوذ من جوهر الإسلام: خدمة الإنسان، إحقاق العدالة، إتقان العمل، وتحقيق مصلحة الناس دون مزايدة.

هذا النموذج المنتظر، المتوقع بروز ملامحه خلال العقد القادم، سيكون أكثر تكنوقراطية، وأكثر واقعية، وأكثر تماهيًا مع المجتمع من أن يُفصل عنه، وأكثر إدراكًا لحدود السلطة من أن يختزل الدين فيها. لن يتحدث كثيرًا، لكنه سيصوغ أثرًا. لن يخوض معارك رمزية، بل سيبني مؤسسات فعلية. وسيعيد العلاقة بين الإسلام والمجتمع من معادلة الصراع إلى معادلة الثقة.

المطلوب اليوم ليس نزع الدين من الحياة، بل إنقاذه من الاستخدام الخاطئ. ليس تهميشه، بل تحريره من الحصر الضيق. الإسلام لا يحتاج إلى أن يكون شعارًا في الواجهة، بل أن يكون معيارًا في القرار، وضمانًا للعدالة، ومصدرًا لأخلاق السلطة وسلوك المجتمع. وإذا كان زمن الشعارات قد ولّى، فإن زمن الفعل الأخلاقي المتزن قد حان، وإن كان بصوت منخفض.











طباعة
  • المشاهدات: 7687
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
05-07-2025 03:20 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم