بقلم :
سرايا - سيف الدين مهند الحليق


في زمنٍ تتسابق فيه الدول على إصدار التصريحات والمواقف المتقلبة، وقف الأردن شامخًا، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، في وجه صمتٍ عربيٍّ خانع· لم يُلقِ جلالته الخطب الرنانة، بل قدّم نموذجًا في القيادة الأخلاقية والسياسية، حين تحوّل إلى صوتٍ للمظلومين وعزٍّ لأشقاء تحت النار· لم يتاجر بالقضية، بل حملها كما يحمل القائد مسؤوليته أمام ضميره وشعبه وتاريخه· جلالة الملك لم يُزايد، بل بادر· أمر فورًا بإطلاق الجسور الجوية والبرية لإغاثة غزة، وفتح مستشفيات الأردن للجرحى، وأرسل طائرات لا تحمل البارود بل الخبز والدواء· قراراته كانت ترجمةً حقيقية لفكرٍ قياديٍ يضع الكرامة والإنسانية قبل الحسابات· هذا موقف قائد يُراهن عليه الناس في الشدائد، لا في المؤتمرات· طواقم أردنية طبية وعسكرية دخلت الميدان، تحمل على أكتافها رسالة الدولة ووصية الملك: أن نكون حيث يجب، لا حيث تضيء الكاميرات· لم يطلبوا التصفيق، بل أدّوا الواجب كما علّمتهم مدرستهم الهاشمية· وفي خلفية المشهد، عملت المخابرات الأردنية كدرعٍ صامت، بتنسيق دقيق وتأمين متواصل، تنفذ توجيهات القيادة العليا بصمتٍ واحتراف، وتضمن نجاح المهمة الإنسانية رغم المخاطر· ورغم هذا الجهد، خرج بعض المُشكّكين ليسألوا "أين الأردن؟" وكأن الطائرات لم تُحلّق، وكأن الشهداء الأردنيين لم يُدفنوا، وكأن الطواقم الطبية لم تُسعف الأطفال· أولئك لا يرون، لأنهم لا يريدون أن يروا· هم عبيد للمايكروفونات، وعدوّهم الأول هو من يعمل بصمت الرجال· أما الإعلام العربي، فكثير منه شريك في الجريمة بصمته أو تشويهه· تجاهل الدور الأردني، ومرّ مرور الكرام على مواقف هي تاجٌ على جبين كل شريف· لكن الحقيقة لا تُطمس، والقيادة تُقاس بالفعل لا بالصوت· موقف الأردن، بقيادة الملك عبد الله الثاني، ليس وليد اللحظة، بل امتدادٌ لتاريخٍ ناصع من الوفاء لفلسطين دون منّة، ودون مزايدة· لم نتاجر بالقضية يومًا، لأننا نعرف أن غزة ليست عنوانًا للخطابات، بل جرحًا في القلب· ولمن شكّك أو حاول التشويه نقول: لسنا نبحث عن شكر، بل ننتزع الاحترام بالفعل· وإن لم ترَ موقفنا، فربما أصاب عيونك الحقد، لا القصر فينا· غزة تعرف من وقف معها حين اشتدت العتمة، وتعرف أن الأردن، بملكه، وجيشه، ومخابراته، وشعبه، هو الرقم الأصعب· لا نصرخ كثيرًا··· لكننا أول من يصل، وآخر من ينسحب·
في وقت الكل بيتفرّج··· إحنا بنكون بالميدان