01-07-2025 04:21 PM
بقلم : الدكتور جهاد كمال فريج
هل يُعاقَب الجرّاح لأنه شخّص المرض؟ وهل يُهاجَم من طهّر الجرح قبل أن يتعفن؟ هذا بالضبط ما تتعرض له الجامعة الأردنية اليوم، حين قررت أن تواجه الخلل بشجاعة نادرة، وأن تحاسب المقصّرين بلا تردد، فإذا بها تجد نفسها في مرمى سهام التشويه، وكأنها الجانية لا الجريئة.
في واحدة من وحداتها الإدارية، رصدت الجامعة تجاوزًا أخلاقيًا محدودًا. لم تنتظر تسريبًا صحفيًا ولا ضغوطًا خارجية، بل بادرت من تلقاء نفسها، فتحت تحقيقًا فوريًا، اتخذت قرارات حاسمة بحق المتورطين، وأعلنت ما جرى أمام الرأي العام بشفافية كاملة. تصرّفت كأي مؤسسة تحترم نفسها وتحترم جمهورها، فهل جزاء ذلك أن تُتهم وتُجلد وتُختزل صورتها في تصرف فردي مرفوض؟
ما حدث في الحقيقة لا علاقة له بالنقد المهني، ولا حتى بالغضب الشعبي، بل أقرب ما يكون إلى حملة ابتزاز إعلامي مضبوطة الإيقاع، تستهدف واحدة من أنجح مؤسسات الدولة في لحظة تألقها الأبرز. فكيف نفسر أن يُصوَّر الخطأ الفردي وكأنه ثقافة عامة؟ وكيف يُفهم هذا التصعيد المفتعل في لحظة تحقّق فيها الجامعة إنجازات تاريخية؟
الجامعة الأردنية تقف اليوم في مقدمة الجامعات العربية، تدخل عام 2025 محتلة المرتبة 324 عالميًا حسب تصنيف QS، وتحقق حضورًا نوعيًا في التصنيفات التخصصية، وتستقطب آلاف الطلبة من مختلف الدول، وتُمثل بوابة الأردن التعليمية إلى العالم. هذه المكانة لا تأتي من فراغ، بل من تاريخ طويل من الالتزام والانضباط والكفاءة، ومن إدارات لم تتردد يومًا في مواجهة الخلل أو كشف التقصير، وهذه الحادثة ليست سوى برهان جديد على ذلك.
لكن ما يجري يتجاوز القصة المباشرة. فالهجوم على الجامعة الأردنية في هذا التوقيت ليس بريئًا، ولا معزولًا عن محاولات لتقويض الثقة بالمؤسسات الوطنية الناجحة، وتشويه صورة الأردن كمركز علمي وأكاديمي آمن وجاذب. والضرر لا يقف عند سمعة الجامعة فقط، بل يمتد إلى سمعة الدولة، ويهدد قطاع التعليم العالي والسياحة التعليمية، ويضع آلاف الطلبة العرب أمام علامات استفهام لا مبرر لها، ويدفع أولياء الأمور للتردد في اختيار الأردن كوجهة أكاديمية.
في الحقيقة، الضحية الأكبر في هذا المشهد ليست الجامعة التي تمتلك من القوة ما يجعلها تواجه وتنتصر، بل الوطن الذي تتآكل مؤسساته حين يُترك الفضاء الإعلامي لكل من يهوى التهويل ويجيد التسخين ويجهل المسؤولية. الوطن الذي يُهاجم الناجح فيه لأنه لم يسكت، ويُكافأ فيه من يغض الطرف ويتستر، وطن يفقد شيئًا من هيبته كلما تم تشويه الصواب لصالح الصخب.
الجامعة الأردنية لم تخطئ حين حاسبت، بل قامت بما عجزت عنه مؤسسات كبرى. لم تُخفِ الحقيقة، بل واجهتها، ولم تحاول الالتفاف، بل دخلت من الباب الأوسع. وأولئك الذين يهاجمونها لم يُظهروا نفس الحماسة في فضح من يسترون الفساد، أو من يجمّلون القبح، أو من يصمتون حين يجب أن يتكلموا.
فهل أصبحنا في زمن تُجلد فيه المؤسسة لأنها امتلكت الجرأة؟ وهل بات كشف الخطأ تهمة والصمت بطولة؟ إن كانت هذه هي معاييرنا الجديدة، فسنغرق لا محالة في ثقافة الخداع، وسنفقد ما تبقى من الثقة العامة.
الجامعة الأردنية اليوم لا تدافع عن نفسها، بل تقدّم لنا جميعًا درسًا في النزاهة المؤسسية، في الجرأة على الإصلاح، وفي القدرة على المواجهة. وإن كان هذا ما يُسمى فضيحة، فليكن كل الوطن فضيحة مثلها.
السؤال الباقي: حين كشفت الجامعة الداء، لماذا طعنتم يد الجرّاح؟ وهل هكذا نعزز مؤسساتنا الرسمية ؟
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-07-2025 04:21 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |