03-06-2025 01:12 PM
بقلم : د. خالد السليمي
في عالم تتسارع فيه الأحداث وتتلاطم أمواج التغيير، تبرز شخصيات سياسية تترك بصماتها العميقة، لا على الساحة المحلية فحسب، بل على المسرح الدولي برمته، اليوم، نقف أمام ظاهرتين مثيرتين للجدل، تتقاطعان في بعض الجوانب وتفترقان في أخرى، لكنهما تشتركان في إحداث هزة عنيفة في بنية العلاقات الدولية ونسيج الاستقرار الإقليمي، نتحدث عن "عبثية" دونالد ترامب، التي لم تكن مجرد سلوكيات غريبة بل إستراتيجية قائمة على كسر القواعد، وعن "أوهام" بنيامين نتنياهو، التي تجسدت في رؤى سياسية انفصالية عن الواقع، وتوهمات استراتيجية قادت المنطقة إلى حافة الهاوية، هذان المساران، وإن بدا كل منهما وكأنه يعكس شخصية قائده، إلا أنهما في الحقيقة يعكسان تحولات أعمق في النظام العالمي، وتآكلاً في مفاهيم الدبلوماسية التقليدية، وتصاعداً لخطاب الشعبوية الذي يجد طريقه إلى قاعات صناعة القرار.
ترامب.. أيقونة العبث وفوضى القرار المحسوبة
لم يكن سلوك دونالد ترامب مجرد شذوذ سياسي، بل كان "عبثية" محسوبة بعناية، أشبه بفن تجريدي يكسر كل الأنماط المألوفة، لقد أدرك ترامب مبكراً أن عصر "الرجل السياسي الرصين" قد ولى، وأن الجماهير تبحث عن كسر القواعد، عن "البطل" الذي يتحدى المنظومة، فمن تغريداته النارية، إلى قراراته المتسرعة وغير المتوقعة، وصولاً إلى سياساته الاقتصادية الحمائية، رسم ترامب أيقونة "العبث" كنموذج جديد للحكم، هذه العبثية لم تكن فوضى عشوائية، بل كانت "فوضى" قرار تخاطب اللاوعي الجمعي، تعيد تعريف مفهوم "الواقع" في السياسة الأمريكية والعالمية، لقد نجح في إحداث صدمة غيرت قواعد اللعبة، وأجبر الجميع على إعادة تقييم ما هو ممكن وغير ممكن في عالم السياسة الدولية، مخلفاً وراءه إرثاً من الاستقطاب واللايقين.
نتنياهو.. أوهام الأمن المتوهم والمسار الأحادي
في المقابل، تجلت "أوهام" بنيامين نتنياهو في رؤية أمنية ضيقة، ترسم إسرائيل ككيان معزول يعيش في عالم من التهديدات المتخيلة، ويتمسك بمسار أحادي بعيداً عن أي حلول واقعية، هذه الأوهام لم تكن مجرد أحلام يقظة، بل تحولت إلى سياسات عملية قادت إلى مزيد من التصعيد، ووأدت أي فرص للسلام والاستقرار، لقد راهن نتنياهو على استثمار الخوف وتغذية الشعور الدائم بالتهديد، لخلق إجماع داخلي يسمح له بتنفيذ أجندته المتطرفة، مستخدماً الخطاب التحريضي لتشويه الحقائق وتبرير الانتهاكات، إن هذه "الأوهام" لم تجلب الأمن لإسرائيل، بل وضعتها في عزلة متزايدة، وأشعلت فتيل التوتر في المنطقة بأسرها، جاعلة من "الوهم" أساساً لقرارات مصيرية تداعياتها لا تحمد عقباها.
التقاطع الكارثي.. حين يلتقي العبث بالوهم
تكمن الكارثة الحقيقية في نقطة التقاء "عبثية" ترامب بـ "أوهام" نتنياهو، ففي ظل إدارة ترامب، وجد نتنياهو أرضاً خصبة لتحقيق أوهامه، حيث تم تجاهل القانون الدولي، وتفكيك الإجماع الدولي حول القضية الفلسطينية، وتشجيع السياسات الإسرائيلية المتطرفة، كان الانسحاب الأمريكي من الاتفاقيات الدولية، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وضم الجولان، بمثابة ضوء أخضر لنتنياهو للمضي قدماً في سياساته الانفرادية، لقد أدت هذه التقاطعات إلى تآكل مفهوم "العدالة الدولية"، وإضعاف دور المؤسسات الأممية، وإفساح المجال لسياسات القوة التي لا تراعي الحقوق أو القوانين، هذا التحالف غير المقدس بين العبث والوهم، ترك المنطقة في حالة من الفوضى والتوتر، ومهّد الطريق لأزمات أعمق وأكثر تعقيداً.
تداعيات "صدمة العبث" على المنطقة والعالم
إن "صدمة العبث" التي أحدثها ترامب، و"الأوهام المُرّة" لنتنياهو، لم تكن مجرد أحداث عابرة، بل خلفت تداعيات عميقة على المنطقة والعالم. على الصعيد الإقليمي، زادت حدة الاستقطاب، وتعززت حالة اللايقين، وتراجعت آمال السلام بشكل غير مسبوق، فدول المنطقة تجد نفسها أمام خيارات صعبة، بين محاولة التكيف مع واقع جديد تكسرت فيه الثوابت، وبين التمسك بالمبادئ والقوانين الدولية، عالمياً، اهتزت الثقة في النظام الدولي، وتراجعت مصداقية القوى الكبرى، وارتفع منسوب الشعبوية والسياسات الانفرادية، هذه التداعيات لا تؤثر على الحكومات فحسب، بل تمتد لتطال الشعوب، وتثير تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومفاهيم العدالة والإنصاف في عالم يزداد تعقيداً.
المستقبل.. بين اليقظة لواقع اللايقين والبحث عن بدائل
في خضم هذا المشهد المعقد، تفرض "صدمة العبث" و"أوهام الوهم" على القادة وصناع القرار، وكذلك على الحُكام والشعوب، تحدياً حقيقياً: كيف يمكننا أن نتحرك في زمن اللايقين؟ إن المرحلة القادمة تتطلب يقظة استثنائية، ليس فقط للواقع المادي، بل للخطاب الذي يُشكله، وللتأثير الذي تتركه السرديات السياسية، يجب البحث عن بدائل حقيقية للنهج الشعبوي والانفرادي، وإعادة بناء الجسور الدبلوماسية التي هدمت، وتجديد الالتزام بالقانون الدولي ومبادئ العدالة، على الدول الفاعلة، وعلى رأسها المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبدالله مواصلة دورهم الريادي والمحوري في الدعوة إلى العقلانية والحوار، وتقديم رؤى واقعية تسعى إلى إرساء الأمن والسلام على أسس مستدامة، بعيداً عن عبثية الساسة وأوهامهم التي كادت أن تدمر ما تبقى من أمل في مستقبل أفضل.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-06-2025 01:12 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |