حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,30 مايو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5442

صدور كتاب إدراك العالم/ الصور النمطية المتبادلة بين الأنا والآخر

صدور كتاب إدراك العالم/ الصور النمطية المتبادلة بين الأنا والآخر

صدور كتاب إدراك العالم/ الصور النمطية المتبادلة بين الأنا والآخر

29-05-2025 08:17 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - صدر حديثا للأديب والباحث الأردني زهير توفيق كتاب جديد بعنوان «إدراك العالم/ الصور النمطية المتبادلة بين الأنا والآخر»، عن دار (الآن ناشرون وموزعون) في عمان.

ويمثل الكتاب استقصاء تاريخياً وتحليلياً لجدل الأنا والآخر، من خلال رصد التصورات المتبادلة بين العرب المسلمين والآخرين في العصور الوسطى والحديثة، كون العرب المسلمين مثّلا ذاتاً لتعيين الآخر، وتخيّله على المستوى الديني والإثني والسياسي؛ خاصة الفرس والأسود واليهودي والمسيحي، بفرعيه اللاتيني والبيزنطي هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى كونهم موضوعاً للآخرين، أي صورتهم في المخيال الفارسي الشرقي (الشعوبية) والغربي الأوروبي؛ الرومي البيزنطي واللاتيني في القرون الوسطى، وتحولات تلك الصورة في أوروبا العصور الحديثة.

ويذيل المؤلف الكتاب بخاتمة، تختزل ما توصل إليه، ومما جاء فيها: لم تكن الهوّة واسعة، ولا المفارقة أشد معرفياً ومنهجياً إلا في قضية الأنا والآخر من العصر الوسيط إلى الوقت الراهن، وهو المدى الزمني الذي رصدناه في الكتاب، فعلى الرغم من المبادئ المؤسسة والوصايا التي جاء بها الوحي، بقي إسلام التاريخ أو الممارسة العينية ممثلاً بإسلام السلطة ومعيش الأغلبية بعيداً عن مثاليات إسلام الوحي والنص، وبقيت العدالة والمساواة والرحمة والأخوة والإنسانية المطلوب ممارستها مع الآخر، محصورة في نطاق الأنا، وصعّبت الذات العربية الإسلامية الأمور على نفسها في الصراع والمواجهة بتضييق مجالها العام وفضائها المذهبي والإثني، مقابل توسيع جبهة الآخر، وكلما توّسع مجال الآخر وتعدد، تقلّص مجال الأنا وضاق في الفكر والتاريخ الواقعي. وعليه فقد كان الروم واللاتين والبيزنطيّون والهنود والصينيّون والفرس آخرين خارجيين بامتياز، وكان المسيحيون واليهود آخرين على مستوى داخلي، وهناك أصحاب المذاهب الأخرى غير السنية الذين عوملوا كآخرين من نوع خاص، أما السود أو الزنوج فقد استعبدوا في الشرق والغرب، ولم يكونوا الآخر بل الأدنى رتبة من الآخر في الآدمية، وهذا ما عبرت عنه كتابات الأدباء والرحالة المسلمين والغربيين من القرون الوسطى إلى القرون الحديثة، وما موقف هيغل إلا رؤية الأنا في الشرق والغرب لهذا الأويخر (تصغير آخر) المسكين « يمثل الزنجي الإنسان الطبيعي في حالته الهمجية غير المروّضة تماماً... ولا شيء مما يتفق مع الإنسانية يمكن أن نجده في هذا النمط من الشخصية، والروايات الغزيرة والمفصلة التي يرويها المبشرون تؤكد ذلك تماماً». (هيغل، ص174). وفي نفس النص يستدرك هيغل ويقول بأن المسلمين هم الذين أدخلوا الزنوج للحضارة!، لكنه في مجمل فلسفة التاريخ بجزأيه وخاصة الجزء الثاني المكرس للعالم الشرقي لا يرد من هيغل أدنى إشارة أو اهتمام بالإسلام وحضارته.

وفي المقابل شتان ما بين الدين المسيحي دين المحبة، وبين ممارسات المسيحيين اللاتين التاريخية في الشرق والغرب. فقد استُغل الدين كذريعة للتبشير والتشهير والإبادة الوحشية في حروب اللاتين وفتوحاتهم، من أمريكا اللاتينية بعد الاكتشافات الجغرافية في القرن الخامس عشر والسادس عشر إلى المشرق العربي بالحروب الصليبية والاستعمار. ولم يعد الآخر مسؤولية الذات الأخلاقية وشرط تحققها بلغة ايمانويل ليفيناس؛ بل النقيض الوجودي والثقافي الذي يمنع التحقق والتواصل. وعليه فلم يعد في حقب الصراع والصدام إلا تشكيل صور نمطية للآخر لمحوه من الذاكرة والوجود، وبقي الخلاف والاختلاف يغذي الصراع ويحافظ عليه وعلى ما أنتجه من صور نمطية للآخر إلى ما لا نهاية، لحماية الذات في مرآة وجودها من التفكك والانهيار، ومنع الانفتاح وقبول الآخر وتفهمه والتعايش معه. ولم تشفع فترات الهدوء والتعايش في تعديل الصورة إلا نادراً وبشكل مؤقت. واستغرق الصراع بين الإسلام والغرب المسيحي في القرون الوسطى إشكالية الأنا والآخر، وتشكلت بينهما الصور النمطية الأشد ضراوة ومفارقة للواقع رغم وجود آخرين بالنسبة للطرفين كاليهود والفرس غيرهم.

لقد اصطنعت الذات في الشرق والغرب مقولاتها وحصنت ذاتها ومنعتها من التواصل والاعتراف بالآخر وحقه بالاختلاف والاستقلال، بشتى الذرائع والمسوّغات والمقولات الإيديولوجية أو الدينية كالمركزية، والتنويه الذاتي وخطاب الأصالة (في الشرق) وخطاب الحداثة (في الغرب)، واخترع الجميع سردياته الكبرى لتسويغ الهيمنة والتسلط، والانكفاء على الذات، وأعطت الحضارة الغربية الحديثة لنفسها حق الوصاية الأبوية على الآخرين لتطويرهم وهدايتهم وانتشالهم من بربريتهم، مرة بعبء الرجل الأبيض ،ومرة بكونية الحضارة الغربية ،ومرة بتفوق حداثتها. وحولت خطاباتها الزائفة والمضللة طبيعة الاستعمار إلى حداثة وتحديث، والتعسف والقهر الذي لا يوصف، إلى نضال ضد التقليد المعيق للتقدم والانخراط في العالم المعاصر!، ونصّب الاستعمار نفسه الممثل الرسمي للمستعمَر العاجز الذي لا يقدر ولا يتقن تمثيل نفسه بنفسه لأسبابه الخاصة!

لم تكن الصور النمطية مجرد سوء فهم متبادل، وانحرافات إنسانية عرضية أو محتملة بسبب غياب التواصل وإنكار الحقائق والتسليم بالأمر الواقع؛ بل عبّرت عن شبكة معقدة من المتناقضات التي طبعت مراحل تاريخية ممتدة من العصور الوسطى إلى العصر الحديث، فتحكمت في نتاجها وسياقاتها المادية والمعرفية والمنهجية، وفضاء رؤيتها الثقافية للعالم، وأنتجت جملة من الأحقاد والضغائن والمغالطات المقصودة وميكانزمات الدفاع النفسي : كالإسقاط والتبرير والتعويض، للحفاظ على تماسك الذات وهويتها ووجودها، والتعامل مع الآخر ككائن حي يفتقر للآدمية، وإن فرضت الوقائع ضرورة التعامل معه، فيتم التعامل معه لغايات نفعية وأداتية في سياق تصفية الحسابات التاريخية، وهدر الجميع الفرص السانحة لتشكيل صورة واقعية لتحقيق التقارب والاعتراف بالمديونية المتبادلة بين الأنا والآخر، وأرخت عقود وقرون من الجهل والتجاهل بكلكلها على الجميع، ومنعت تقريب وجهات النظر، والتوافق على جملة من المصالح المشتركة والقيم الحضارية وإرادة العيش المشترك.

وعليه ستبقى الثنائية قائمة وصورها النمطية أكثر حدة وتهوراً ما دام الصراع والتوتر قائماً، والجديد فيها هو إعادة تركيب الآخر بما يناسب الأنا في تحولاتها الجديدة، وما يتطلبه ذلك من تجديد خطاباتها وخطابات الهوية والانعزال، وطرح المسوغات اللازمة للتباين والاختلاف، ورفض الآخر رغم الكم الهائل من الخطابات الفكرية في المحافل الدولية والأكاديمية والمدنية، الداعية للتواصل والحوار ونبذ الصراع والصدام، فالأماني والتجريد شيء، والواقع شيء وما نشاهده ونلمسه في - من الإسلام فوبيا وصعود اليمين الفاشي، وكره الأجانب والمهاجرين في الغرب، والانكفاء والتنويه الذاتي وخطاب الأصالة والتطرف الأصولي، واختزال الغرب بالمؤامرة الصليبية الماسونية الصهيونية على العرب والمسلمين - شيء آخر.











طباعة
  • المشاهدات: 5442
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-05-2025 08:17 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم